بقلم: ناصر زيدان- النهارالعربي
الشرق اليوم– مستجدات حصلت على الساحة الليبية قد تؤدي إلى انفراج سياسي وأمني واقتصادي، بعد مرحلة طويلة من الاضطرابات التي هددَّت وحدة البلاد، وأصابت اقتصادها بالصميم. وحصلت ويلات نتجت من هذه الأزمة، سقط من جرائها ضحايا أبرياء، بينهم مَن لقي حتفه بالحروب المتنقلة، وبينهم مَن مات بسبب الكوارث الطبيعية والتغييرات المناخية، بينما ساعد الإهمال وغياب الدور المركزي للدولة في زيادة عدد هؤلاء الضحايا، لا سيما في مدينة درنة في الشرق التي اجتاحتها السيول الناتجة من انهيار السدّ الذي يقع في وادي المدينة في شهر أيلول (سبتمبر) 2023، وسقط فيها ما يزيد عن 10 آلاف قتيل وتهجَّر منها ما يقارب 50 ألف مواطن ودٌمِّر ثلث منازل المدينة كلياً.
أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قال بعد الاجتماع الذي انعقد في مقر الجامعة في القاهرة في 10 آذار (مارس) الجاري، إنّ “مُخرجات الاجتماع كانت أكثر مما توقعنا”، وأشار الى اتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية تشرف على انتخابات رئاسية وتشريعية قريبة. وأهمية كلامه تنطلق من كون الاجتماع المذكور حضره رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب المنتخب عام 2014 عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة، وهؤلاء يمثلون غالبية اتجاهات الرأي العام الليبي، ومقرّبون من حكومتي البلاد ومن القوى العسكرية على اختلافها.
ويبدو واضحاً أنّ زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الى القاهرة في 14 شباط (فبراير) الماضي؛ كان لها أثر بارز على حالة الاسترخاء التي استجدت على الساحة الليبية، على اعتبار أنّ لتركيا ولمصر تأثيراً كبيراً على الوضع في ليبيا، ولكلا الدولتين الكبيرتين علاقات متينة مع الأطراف الليبية المتصارعة، وقد يكون الخلاف السابق بين أنقرة والقاهرة أحد أهم أسباب التشنجات التي حصلت، وكادت أن تؤدي إلى تدخّل عسكري مصري مباشر في ليبيا، بعد أن حاولت قوات حكومة الوفاق في طرابلس الغرب عام 2020 تجاوز مدينة سرت الاستراتيجية في وسط الساحل الليبي، مهدّدةً قوات الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر وحكومة بنغازي، بينما استنجدت حكومة فايز السراج في طرابلس بتركيا لوقف الاندفاعة المصرية في حينها.
وهناك تقاطعات دولية متعددة قد تساعد في تسهيل الحل الوفاقي في ليبيا، بعدما أخفقت حكومة عبد الحميد الدبيبة في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي كان مقرّرة نهاية العام 2022، وأعقب ذلك تأليف حكومة ثانية في الشرق تتخذ من مدينة بنغازي مقراً لها، وحصلت على ثقة البرلمان المنتخب، لكن المجتمع الدولي لم يعترف بها، وأبقى اعترافه بحكومة الوفاق التي يقودها الدبيبة، وهو ينحدر من مدينة مصراتة الاستراتيجية، والتي لها ثقل سياسي وعسكري وازن على الساحة الليبية.
مصراتة، التي هي المدينة الثانية من حيث عدد السكان بعد طرابلس؛ هدّدت بالتحرَّك بقوة لفرض حلّ في البلاد، لأنّ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لم تعد مقبولة، وخرجت فيها تظاهرة حاشدة يوم 20 آذار (مارس) طلبت من كل المسؤولين الحاليين ترك مواقعهم، وتسليم السلطة لحكومة وحدة وطنية تضمّ قيادات جديدة، تشرف على الانتخابات، وتضع حداً للانهيار المالي غير المقبول، والذي أدّى إلى تضخم الأسعار بنسية 50% خلال الأيام الماضية، من جراء وصول سعر صرف الدولار الواحد إلى 8 دنانير ليبية، بعدما كان خلال الفترة السابقة لا يتجاوز 4,5 دنانير .
مجلس النواب المنتخب بقيادة عقيلة صالح، والذي يتخذ من مدينة طبرق الشرقية مقراً له؛ استجاب لطلب محافظ البنك المركزي الليبي الصديق الكبير، وأصدر تشريعاً فرض بموجبة ضريبة على تبديل العملات الأجنبية، لكن هذا التدبير لم يسهم في توقيف تراجع الدينار، بل استقرّ سعره الرسمي عند 6 دنانير مقابل الدولار، وبقي التعامل في السوق الموازية بما يتجاوز 8 دنانير مقابل الدولار الواحد.
وهذه الوضعية تهدِّد الاستقرار في ليبيا، نظراً لانكماش الحركة الاقتصادية، ولأنّ صادرات النفط تراجعت على شاكلة واسعة بسبب الحروب والنزاعات.
المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى ليبيا عبد الله باثيلي، قال على إثر اجتماعه مع رئيس حكومة الشرق أسامة حماد في مدينة بنغازي؛ إنّه متفائل بقرب عقد مؤتمر مصالحة وطنية في إحدى مدن ليبيا المحايدة، وهو ما سيمهّد لتأليف حكومة وحدة وطنية بموجب الاتفاق الذي حصل في القاهرة بين الرؤساء الثلاثة في مقر جامعة الدول العربية.
واعتبر باثيلي أنّ الأمم المتحدة ليست مع طرف ليبي ضدّ طرف آخر، بل إنّها تتعاون مع كل الفرقاء لإيجاد حل سلمي للأزمة، واستبشر خيراً بشهر رمضان الفضيل، كي يحمل معه بشائر واعدة.
تبدو الأجواء الدولية المحيطة بالأزمة الليبية أقل تعقيداً من المراحل السابقة، فقد تراجع تأثير مجموعة “فاغنر” الروسية، والاندفاعة الفرنسية التي استهدفت تقويض النفوذ الروسي على إثر الانقلابات التي حصلت ضدّ الحكومات المؤيّدة لباريس في عدد من دول غرب إفريقيا تراجعت بعض الشيء، وتشهد الدولتان خصومات معقّدة أكثر في أوكرانيا وغيرها، وهي أهم من الملف الليبي بالنسبة لهما. بينما جزء من القوة العسكرية التركية عاد الى بلاده، ومصر منفتحة على الأطراف الليبية التي ناصبتها الخصام في الماضي، وواشنطن غارقة بالهموم الانتخابية، وتتخبّط في التشوهات التي أصابتها بسبب موقفها من الحرب على غزَّة.