بقلم: فاروق يوسف - النهار العربي
الشرق اليوم- في ظل الاستقرار السياسي الذي كان الأداء الجيد لحكومة محمد شياع السوداني أحد مظاهره، ليس هناك ما يستدعي الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة في العراق. أما الحديث السائد عن وجود مؤشرات إلى تصدع تحالف الإطار التنسيقي الحاكم فلا يمت إلى الواقع بصلة، في ظل استمرار التيار الصدري المعارض في عزوفه عن المشاركة في الحياة السياسية.
ذلك ما استفاد منه السوداني في التأسيس لقاعدة شعبية لما يشبه أن يكون برنامجاً حكومياً لا يزال في بداياته، وإن كان رئيس الوزراء نفسه واثقاً بقدرته على أن يكون مستقلاً بعيداً عن التجاذبات السياسية التي تحيط به. وفي ذلك ما يضع مسافة بين البرنامج الحكومي وبرنامج التحالف الحاكم الذي يقوم أصلاً على ضمان مصالح الكتل السياسية الكبرى ورعايتها. ذلك ما يُحسب للسوداني، كونه نجح في أن يدرأ عن نفسه شبهة التبعية المباشرة لزعيمه السابق في “حزب الدعوة” نوري المالكي الذي لا يزال يعتبر نفسه عراباً للعملية السياسية. وما يبدو أن السوداني قد نجح فيه ضمناً أنه استطاع أن يفصل أداء حكومته الخدمي عن العملية السياسية في إطار منهج واقعي، قد يكون أساساً لبدء مرحلة سياسية جديدة، لا تشكل مسألة الحكم فيها عنصراً ضاغطاً على عمل الحكومة. وكما هو واضح فإن انكفاء التيار الصدري ساعد كثيراً على عدم تعرض الحكومة إلى هزات من داخلها. وهو ما سمح للسوداني بإدارة حكومته من داخلها من غير التعرض لضغوط خارجية.
لا كفاءة في ظل نظام المحاصصة
بقدر ما ينطوي التفات حكومة السوداني إلى وظيفتها الخدمية على كفاءة الاستقرار السياسي، بقدر ما يقف ذلك التحول ما بين الفرقاء السياسيين ومحاولات التدخل في عمل الحكومة. وهو ما يمكن أن يشكل بداية طيبة للتقليل من عمليات الفساد التي لطالما كانت المناقصات والعقود الحكومية واحداً من أهم مصادرها. ذلك رهن طبعاً بقدرة السوداني على بناء مؤسسات تعمل في سياق ضوابط قانونية محكمة ومشددة. وهو ما لا يمكن التحقق منه في زمن قياسي هو الزمن الذي ينتهي فيه مفعول الحكومة عام 2025 حين تكون الانتخابات الجديدة مقياساً لما جلبه السوداني من نجاحات لتحالف الإطار التنسيقي الحاكم. ذلك ما يشكل دافعاً قوياً للأحزاب الشيعية لإنجاح عمل الحكومة. فمن غير ذلك النجاح ستعود الأوضاع إلى دائرة الفوضى التي تمت تصفية أسبابها سياسياً داخل البيت الشيعي وخارجه. في الوقت نفسه فإن ذلك لا يعني أن الحكومة باتت مسيطرة على الملف السياسي الذي يحتوي على مجموعة العقد التي يفرضها نظام المحاصصة الطائفي. فهي (أي الحكومة) جزء من ذلك الملف الشائك الذي سيظل بمثابة مستودع للكثير من القضايا القلقة التي لا تصلح لأن تكون أساساً لحوار وطني بناء. فما دامت المحاصصة الحزبية قائمة فإن نصيب الكفاءة والخبرة سيكون محدوداً. كما أن دور رئيس الحكومة بقدر ما يكون حاسماً بقدر ما يكون حساساً من جهة كونه قد يؤدي إلى انفجار صراعات غير محسوبة.
نحو مرحلة يكون فيها الفساد أقل
في حدود برنامجه الخدمي، يمكن للسوداني أن يعمل متغاضياً عن عمليات الفساد التي تخترق وزارته بخفة هي جزء من إرث الماضي القريب. في حدود المسموح به يمكنه أن يقوم بالتصدى بحزم رجل دولة لما يمكن أن يتسلل إلى مشروعه من عمليات فساد جديدة. ذلك ما يبدو حتى اللحظة أمراً قابلاً للتنفيذ في ظل اطمئنان زعماء الأحزاب والميليشيات إلى أن الحكومة الجديدة لن تجرؤ على اختراق الخطوط الحمر، وهي الخطوط التي تسيج مصالحها الأساسية.
ولكن ذلك النوع من التعايش قد لا يستمر طويلاً. غير أن ما ينعش الآمال في عدم وقوع صدام بين الحكومة والأحزاب التي وضعتها على سدة الحكم أن تلك الأحزاب قد وجدت فيها الحل الأفضل لتأكيد معنى الاستقرار السياسي في بلد شهد اضطرابات مدمرة. ولكن هناك إشارات بدأت بالظهور مبكراً تؤكد أن التيار الصدري سيعود إلى الحلبة السياسية من خلال استعداده للمشاركة في الانتخابات القادمة. وليس في الإمكان التغاضي عن الظهور المفاجئ لزعيم ذلك التيار مقتدى الصدر في الأسواق الشعبية. وقد لا تؤثر تلك الإشارات مباشرة على عمل الحكومة أو تعطل برامجها، غير أنها تصب في مجرى العودة إلى مرحلة ما قبل الاستقرار القلق، بما يعني إمكان عدم التجديد لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني لولاية ثانية. الأمر الذي يزرع بذرة الشك في إمكان أن تنجز الحكومة برنامجها الخدمي بالكامل وستبقى الكثير من فقرات ذلك البرنامج معلقة في انتظار نتائج الانتخابات التي يعتقد البعض أنها ستكون شبيهة بنتائج انتخابات 2021 التي فاز بها التيار الصدري. وهو ما قد لا يكون صحيحاً.
مصير السوداني بين أيدي حلفائه
إذا ما نجح تحالف الإطار التنسيقي الحاكم في احتواء تأثير ما يُقال عن عودة الصدر إلى العملية السياسية، مستنداً إلى النجاحات التي حققتها حكومته في المجال الخدمي، فإنه سيهب تلك الحكومة سنة من العمل المستقر، وهو ما يمكن أن يستفيد منه السوداني إذا ما قرر أن يخوض الانتخابات المقبلة بكتلته الحزبية التي حاول أن ينأى بها بعيداً عن الأحزاب الشيعية الكبرى. فالرجل الذي سبق لمحتجي تشرين الأول (أكتوبر) 2019 أن رفضوا ترشيحه لرئاسة الحكومة، استطاع عبر وقت قصير أن يبلور فكرة عن طريقة في تصريف شؤون حكومته قائمة على تقديم الجانب الخدمي على الجانب السياسي، وهو ما خلق مسافة بين الأداء الحكومي والعملية السياسية التي ظلت حتى اللحظة حكراً على الأحزاب الشيعية متراصة ضمن تحالف الإطار التنسيقي. ذلك ما يزيد من حظوظه في أي انتخابات مقبلة. في هذه الحالة سيكون تأثير عودة التيار الصدري محدوداً. أما إذا قرر تحالف الإطار التنسيقي عدم التجديد للسوداني، فإن كل ما تم إنجازه على مستوى تحييد العمل الحكومي ستلتهمه نار الخلافات من غير أن يكون أساساً لبدء مرحلة، يكون هدفها بناء دولة جديدة.