بقلم: مصطفى رستم – اندبندنت
الشرق اليوم– ليست مصادفة أن ينتفض السوريون في إدلب، شمال غرب سوريا بوجه “هيئة تحرير الشام”، (جبهة النصرة سابقاً) بالتزامن مع مرور ذكرى الحراك الشعبي في 2011، إذ اعتبرت فرصة لتدفق المتظاهرين ورفع شعارات مناهضة بأرجاء المدينة وبأرياف ظلت بقبضة السلفيين لسنوات عديدة، وبدت أكثر تصميماً على إسقاط أكثر التيارات المتشددة بعد تنظيم “داعش”.
وتتسع وتيرة وشدة الاحتجاجات الشعبية في المناطق الخاضعة لنفوذ “تحرير الشام” والتي تقع في منطقة خفض التصعيد الرابعة، حيث رفع المتظاهرون بالآلاف لافتات طالبت بإسقاط حكم “هيئة تحرير الشام” وإسقاط زعيمها، الملقب بـ”أبو محمد الجولاني”، وكذلك الإفراج عن المعتقلين في سجون “جهاز الأمن العام”.
ويجزم رئيس الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين والمفقودين ياسر فرحان، وهو عضو سابق بالائتلاف المعارض، في حديث لـ”اندبندنت عربية” عن قدرة المتظاهرين على تحقيق “المطالب المشروعة”، واصفاً الشارع السوري بأنه لن يرضخ، ويبعث برسائل متعددة بعدم قبول أي “صورة من أي صور الاستبداد”. وأضاف “لا بد من احترام حقوق الإنسان، والعيش بكنف دولة تضمن جميع الحقوق والحريات، ويختار بنفسه من يحكمه من دون أي فرض من أي سلطة حتى ولو كانت سلطة أمر واقع”.
في المقابل، تعهد “المسؤول الشرعي العام” لدى “تحرير الشام”، عبدالرحيم عطوان في الأول من مارس (آذار) ومع بداية اندلاع الاحتجاجات عن صدور عفو عام وتحرير المعتقلين في السجون خلال شهر رمضان، وأعلن عن فتح قنوات اتصال فعالة وسريعة، في ظل شكاوى عن حملات اعتقالات واسعة وبصورة يومية بتهمة “العمالة”.
وثمة شخصيات قيادية بالهيئة من الصف الأول شملتهم الاعتقالات منهم مسؤول بارز يطلق عليه “أبو ماريا القحطاني”، وكان قد شارك بتأسيس “جبهة النصرة” في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، وسجن ستة أشهر على ذمة التحقيق لتثبت اللجنة القضائية براءة القحطاني من التهم المنسوبة له.
وتنتفض المدينة “الخضراء” (كناية على إدلب لاشتهارها بكثافة أشجار الزيتون)، بينما لم يعرف أهلها السلام والطمأنينة مع تقلب أحوالهم، إذ تسلم مقاليد الحكم بعد الحراك الشعبي قوى المعارضة ومع الوقت حكم المتشددون في “هيئة تحرير الشام” المنبثقة من تحالف عدد من المجموعات والفصائل المتشددة في يناير (كانون الثاني) عام 2017 بعد اندماج (جبهة فتح الشام، جبهة أنصار الدين، جيش السنة ولواء الحق، وحركة خير الدين الزنكي).
في غضون ذلك ما زالت الهيئة لا تحظى بالتأييد الدولي، ومصنفة ضمن لوائح الإرهاب، إذ تعد “جبهة النصرة” أحد فروع تنظيم القاعدة، وتأخذ بتعاليمه. وتطالب المجتمعات المحلية تغيير هذا الشكل من السلطة أحادية الجانب، بحسب وصف ناشطون.
واستأثرت الهيئة بالحكم من دون تشاركية واسعة مع نخب، وبقية أطياف المجتمع علاوة على إحكام البلاد بقبضة أمنية أدت في مشهد أخير إلى حملة اعتقالات بعد تسريبات وصلت لزعيم “تحرير الشام”، الجولاني تصف بتحضيرات لانقلاب، مما أسفر عن شن حملة اعتقالات واسعة بتهم العمالة والاتصالات مع الخارج.
ويعتقد عضو الائتلاف الوطني عن المجلس الوطني الكردي في سوريا، شلال كدرو، أن تواصل التحرك الجماهيري هو ضد “الحكم السلفي والديكتاتورية والاستبداد”، بحسب وصفه، وأضاف “أعتقد أن هذا الأمر سيستمر، والشعب السوري كسر الخوف. السوريون سيستمرون بالاعتصام لحين تحقيق سوريا ديمقراطية وتعددية، في حين أن مواقف المعارضة مناصرة لها وتدعمها، وهي تمثل الجماهير المنتفضة”.
وكان الجولاني الذي صنفته الولايات المتحدة بـ”إرهابي عالمي” قد أرسل في عام 2021 وخلال حوار مع الصحافي الأميركي مارتن سميث رسالة لواشنطن برفع الهيئة من قوائم الإرهاب. وقال في الحوار “كنا ننتقد بعض السياسيات الغربية في المنطقة، أما أن نشن هجمات عليها فلا نريد ذلك”.
وكان أمير “جبهة النصرة” قد تخلى قبل سنوات عن لباسه التقليدي، وظهر بمقاطع مصورة بأزياء عصرية كنوع من الرسائل بإجراء تغييرات حول الصورة الجديدة للهيئة، وأن تكون مقبولة عالمياً ودولياً، لكن من دون جدوى.
في هذه الأثناء يرى مراقبون أن على الجولاني الذي ترتفع في وجهه لافتات إسقاطه ألا يتجاهل المطالب التي تتسع إما بفتح حوار مع المتظاهرين بالرضوخ للمطالب وتوسيع المشاركة وتسليم الحكم، أو احتمال فتح النار على الموجودين في الساحات، وهنا ليس من المستبعد أن تتحول إلى “ساحات حمراء” في مدينة إدلب “الخضراء”.