بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- تتشكّل فوق أوروبا نُذر توترات جديدة منشأها الحرب الروسية- الأوكرانية، التي لا تلوح لها نهاية قريبة في الأفق. والجميع يكيّف نفسه مع حرب قد تدوم سنوات أخرى، أو قد تتطور عند لحظة معينة لتشمل أطرافاً آخرين وصولاً إلى مواجهة مباشرة بين روسيا ودول أعضاء في حلف شمال الأطلسي.
من يرصد المواقف الأخيرة الصادرة عن قادة أوروبيين وروس لا يحتاج إلى كبير عناء، كي يخرج بانطباع موغل بالتشاؤم.
لم تمض أيام على عدم استبعاده إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا، إذا كان هذا السبيل الوحيد لإلحاق الهزيمة بروسيا، قال الرئيس الفرنسي خلال زيارة لبراغ الثلثاء الماضي، إنّ “الحرب عادت إلى أراضينا، وهناك قوى أصبح من غير الممكن وقفها، تعمل على توسيع التهديد كل يوم”، داعياً حلفاء أوكرانيا “ألا يكونوا جبناء” في مواجهة قوى “بات لا يمكن وقفها”.
بينما كان ماكرون يتحدث، اقترحت المفوضية الأوروبية خلال اجتماع في بروكسل، تعزيز صناعات الدفاع الأوروبية بشكل كبير في مواجهة التهديد الروسي، بحيث وضعت عام 2030 موعداً مستهدفاً لها لتوفير 50 في المئة من المعدات العسكرية، التي تطلبها الدول الأعضاء، من الصناعة الأوروبية.
وبحسب المفوض الأوروبي المكلّف شؤون صناعات الدفاع تييري بريتون، فإنّ الاتحاد الأوروبي سيكون قادراً على تصنيع مليوني قذيفة في العام المقبل، وأنّه يجب الآن تطبيق هذه الزيادة على كل أنواع الأسلحة الأخرى.
والأسبوع الماضي، نشرت روسيا تسجيلات لضباط ألمان وهم يناقشون كيفية قصف جسر كيرش الذي يوصل بين شبه جزيرة القرم التي ضمّتها موسكو عام 2014 والبر الروسي، بصواريخ ألمانية بعيدة المدى من طراز “توروس”. وفي التسجيل يدور نقاش حول ما إذا كان جنود ألمان سيستخدمون بأنفسهم هذه الصواريخ ما يتطلّب وجوداً عسكرياً على الأرض في حين أنّ تدريب الأوكرانيين على هذه الصواريخ سيستغرق أشهراً. وفي التسجيل نفسه حديث عن وجود ضباط بريطانيين في أوكرانيا للمساعدة في اطلاق صواريخ “ستورم شادو” البريطانية بعيدة المدى.
أحدث التسجيل بلبلة في ألمانيا وروسيا على حدّ سواء، نظراً لإعادته إلى الأذهان الحساسية القومية بين البلدين، في ضوء أهوال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وفي المقابل، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أنّ روسيا تعزز قواتها العسكرية على حدودها الشمالية والغربية، في ضوء انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي.
والخميس الماضي، حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أنّ التهديدات الغربية (كلام ماكرون)، تثير خطر اندلاع نزاع نووي.
ما تقدّم من مواقف، لا يدع مجالاً للشك في أنّ أوروبا التي تغيّر وجهها بعد الحرب الأوكرانية، تتكيّف مع الواقع العسكري- السياسي الجديد. ومن المؤكّد أنّ مرحلة الاسترخاء التي تلت سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، قد باتت خلفها.
الأوروبيون، ومن دون الخوف من اتجاه الولايات المتحدة نحو الانعزال في حال عاد الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، يشعرون بأنّ الحرب الروسية- الأوكرانية، قد غيّرت الكثير من مفاهيم سادت في الثلاثين عاماً الماضية، وأنّ ثمة حاجة إلى التعامل مع التحدّيات الجديدة.
ينظر الأوروبيون إلى روسيا اليوم على أنّها تهديد لم يعد في إمكانهم تجاهله. وهذا ما يحتاج منهم تعديلاً في سياساتهم العسكرية والاقتصادية. والتوجّه نحو تحديث جيوشهم وانتاج المزيد من الأسلحة، سواءً لمساعدة أوكرانيا، أو لدرء أخطار قد تستجد في قابل الأيام.
منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022، دخلت أوروبا في حقبة جديدة لها متطلباتها على الصعيدين السياسي والعسكري. وقرارات الاتحاد الأوروبي أو الحكومات الوطنية المنضوية في الاتحاد، بزيادة الإنتاج الحربي ورفع الموازنات العسكرية، ولو على حساب التقدّمات الاجتماعية، هي بداية الاستجابة لواقع مختلف فرضه أخطر نزاع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.