بقلم: خيرالله خيرالله – النهار العربي
الشرق اليوم- هدنة أو لا هدنة، ليس ذلك مهماً ما دامت إسرائيل مصممة على متابعة الحرب في غزّة. الهدنة بالنسبة إليها مجرّد امتداد للحرب المرشّحة لأن تطول.
ستطول الحرب في وقت يبدو واضحاً أنّ “حماس” تتصرّف من موقع المنتصر على الرغم من كلّ ما أصاب القطاع من دمار ومما حلّ بالغزاويين. من هذا المنطلق، تفرض “حماس” شروطاً على إسرائيل في المفاوضات الدائرة بين الجانبين. من بين هذه الشروط التوصّل إلى اتفاق دائم لوقف النار وانسحاب إسرائيل من القطاع. تعتقد الحركة أنّ فشل إسرائيل في تحقيق انتصار كامل عليها يعني أن الحرب صبّت في مصلحتها.
مثل هذا المنطق الأعوج القائم على وجود رهائن إسرائيليين لدى “حماس”، يقابله منطق إسرائيلي أكثر اعوجاجاً يقوم على فكرة الانتقام من غزّة من جهة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة من جهة أخرى.
أسوأ ما في الأمر أن إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، تراهن على المستحيل. يعود ذلك إلى أنّ تهجير أهل غزّة من أرضهم لن يؤدي إلى تصفية القضيّة الفلسطينية. يعود ذلك، أيضاً، إلى أن القضيّة الفلسطينيّة قضيّة شعب حيّ موجود على الخريطة السياسيّة للمنطقة وليست قضيّة “حماس”. هناك شعب قادر على إثبات هذا الوجود السياسي ونقله مستقبلاً إلى حقيقة جغرافية. كلّ ما تقوم به إسرائيل حالياً في غزّة، بما في ذلك مجزرة شارع الرشيد (مجزرة دوار النابلسي أو مجزرة الطحين)، يكشف غياب أي أفق سياسي لدى الحكومة الإسرائيليّة. ما هذه الحرب التي تخوضها دولة تحولت إلى آلة حرب من دون هدف سياسي محدّد؟
أكثر من أي وقت، تبدو الحاجة إلى مبادرة عربيّة تضع الأمور في نصابها وتعالج مرحلة ما بعد حرب غزّة. لا بدّ من مثل هذه المبادرة في ضوء عجز “حماس” عن القيام بمراجعة واقعيّة لما قامت به يوم 7 تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي. ليس كافياً الكلام الصادر عن القيادي الحمساوي موسى أبو مرزوق إلى قناة “الغد”، وهو كلام يستغرب فيه “الوحشيّة” الإسرائيلية ووقوف العالم مع إسرائيل بعد “طوفان الأقصى”. كيف يمكن شنّ هجوم من نوع “طوفان الأقصى” من دون حسابات سياسيّة مرتبطة بطبيعة إسرائيل من جهة، وعلاقتها بالعالم من جهة أخرى؟
يبدو أنّ أبو مرزوق لا يعرف العالم ولا يعرف إسرائيل ولا يعرف أن “حماس”، لم تقم بالأصل سوى من أجل ضرب المشروع الوطني الفلسطيني. أكثر من ذلك، نفّذت، من حيث تدري أو لا تدري، كلّ المطلوب منها في مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزّة صيف عام 2005.
وقتذاك، انسحبت إسرائيل من القطاع من دون تنسيق مع السلطة الوطنيّة في رام الله. كانت النتيحة انقضاض “حماس” على السلطة الوطنيّة وصولاً إلى سيطرتها الكاملة على القطاع منتصف عام 2007 وطرد “فتح” منه. فعلت ذلك من أجل إقامة “إمارة إسلاميّة” في غزّة والقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية المستقلّة نهائياً. التقت بذلك مع الفكر الذي نادى به أرييل شارون ثمّ “بيبي” نتنياهو، وهو فكر قائم على أنّ “لا وجود لطرف فلسطيني يمكن التفاوض معه”. أي لا وجود لعملية سياسيّة في غياب طرف آخر في هذه العمليّة.
لا أفق سياسياً لدى إسرائيل في الوقت الراهن. لم يكن هناك يوماً أي أفق سياسي لدى “حماس” التي فوجئت برد الفعل على “طوفان الأقصى” وبما تمارسه الحكومة الإسرائيلية حالياً في غزّة والضفة الغربيّة أيضاً. هناك فراغان سياسيان تحاول “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران الاستفادة منهما إلى أبعد حدود من أجل إثبات أنّها القوة الإقليمية المهيمنة في الشرق الأوسط والخليج.
من هنا، تبدو الحاجة إلى مبادرة عربيّة تنطلق من الواقع لمواجهة الأحلام التوسّعية لدى إسرائيل التي تستطيع الاعتماد على ضعف الإدارة الأميركيّة. هناك إدارة عاجزة، على الرغم من استضافتها بني غانتس المنافس السياسي لـ”بيبي”، عن ممارسة أي ضغط لوقف المجازر التي ترتكب في غزّة يومياً بهدف تحويلها إلى أرض طاردة لأهلها.
يظلّ السؤال الأساسي: على ماذا يمكن أن تقوم المبادرة العربيّة؟ الجواب أن المهمّ ارتكاز هذه المبادرة على وجود ضمانات عربيّة ملموسة تجعل من الدولة الفلسطينية، في حال قيامها، مسالمة. سيكون ذلك تحدّياً بالنسبة إلى إسرائيل في عهد ما بعد نتنياهو المعترض على أي دولة فلسطينية حتّى لو كانت مجرّد فكرة.
حسناً، لا يمكن التوصل إلى أي صفقة من أي نوع مع حركة مثل “حماس”، لكن هل في استطاعة إسرائيل التعاطي جدياً مع مبادرة عربيّة تعطيها كلّ ما تطلبه من ضمانات… أم أن إسرائيل لا تستطيع التخلي عن فكرة تكريس الاحتلال مع ما يعنيه ذلك من دوران في حلقة مقفلة؟ هل في إسرائيل من يفكّر فعلاً في المستقبل وفي الاستقرار في المنطقة؟ هل من يفكّر بما سيولد من رحم “حماس” مستقبلاً ومن رهان اليمين الإسرائيلي على غياب الطرف الفلسطيني الذي يمكن التفاوض معه؟