بقلم: جو معكرون – النهار العربي
الشرق اليوم– إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن العاجزة منذ شهر كانون الاول (ديسمبر) الماضي عن فرض وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، قرّرت تجاوز حليفتها إسرائيل في إيصال مساعدات غذائية وامدادات طوارئ عبر إنزال جوي إلى غزة، في اسلوب يحاكي، رغم الفوارق، إمدادها مساعدات إلى القوات الكردية في سوريا التي كانت تقاتل “داعش” في عين العرب (كوباني) عام 2014.
إمدادات الغذاء في حالات الطوارئ العسكرية عبر الإنزال الجوي عمليات باهظة الثمن ومرهقة وغير فعّالة، هي بطبيعة الحال الملاذ الأخير لإيصال الغذاء في فترات النزاع. تقوم الاردن بذلك الأمر منذ فترة بقبول ضمني من الطرف الإسرائيلي، والآن تنضمّ اليها الولايات المتحدة بعد الإمارات العربية المتحدة ومصر وفرنسا.
كانت القوات الجوية الأمريكية تحمل المساعدات عبر طائرات من طراز C-17، وكان يجري تسليمها الى غزة في شاحنات تابعة للأمم المتحدة عبر معبر رفح، لكن إسرائيل أوقفت هذا المسار، وكان الردّ الأميركي بعد انتظار، اعتماد الإنزال الجوي، كما أنّ هناك تفكيراً أمريكياً بفتح ممر بحري يكون تحدّياً أيضا لحصار إسرائيل على القطاع.
هذه الخطوة تعني أمرين. أولاً، اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قد لا يحصل مع بداية شهر رمضان في 10 آذار (مارس) الجاري، وإدارة بايدن تعدّ خطط طوارئ للتكيّف مع تأخّر التوصل الى التسوية المطروحة لوقف إطلاق النار على مدى 6 اسابيع، بعدما كان بايدن صرّح أنّ الاتفاق وشيك خلال أيام.
إسرائيل لا تزال تريد تحرير الأسرى بالقوة لنزع ورقة تفاوض رئيسية من “حماس”، فيما الاخيرة ترفع سقف التفاوض للحصول على اكبر عدد ممكن من التنازلات الاسرائيلية.
ثانياً، يخفي قرار البيت الابيض تفادي المواجهة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول وقف اطلاق النار في غزة والخطوات التي تليه. الكنيست أقرّ اقتراح نتنياهو برفض اعتراف آحادي بالدولة الفلسطينية، وهي خطوة تفكّر الولايات المتحدة إعلانها بالتزامن مع بعض حلفائها الأوروبيين. نتنياهو يتحدّى خطط أميركا علناً، فيما البيت الابيض يردّ بنعومة بالالتفاف حوله بدل التصرّف كدولة عظمى تفرض شروطها على حلفائها كما على خصومها.
مساعدات الإنزال الجوي تبدو خطوة للعلاقات العامة، تُظهر للداخل والخارج الأمريكي أنّ ادارة بايدن تساعد الفلسطينيين في خطوة لا تزعج إسرائيل. أمريكا عاجزة عن اقناع حليفتها إسرائيل لتسريع وتيرة المساعدات عبر المعابر البرية، ورغم كل المساعدات التي تقدّمها إلى إسرائيل هي مضطرة الآن لبدء عملية لوجستية بالغة التعقيد وباهظة الثمن لإيصال مساعدات غذائية بسيطة مع مخاطر إسقاطها على مدنيين، والتأكّد من تسليمها بشكل صحيح ميدانياً. أمريكا تقوم بهذا النوع من العمليات إما لمساعدة حلفائها او لردع خصوم في نزاعات، وهذه الخطوة غير مسبوقة أمريكياً في ما يخصّ النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي.
تسوية وقف إطلاق النار في غزة شبه جاهزة منذ شهر كانون الاول (ديسمبر) الماضي، لكن في الوقت الضائع حتى التوصل إلى هذا الاتفاق الحتمي يفاوض نتنياهو بالنار ويفرض على أميركا التصرّف كوكالة إغاثة لتفادي مجاعة في قطاع غزة. إذا كانت ادارة بايدن لا يمكنها فرض على اسرائيل عبور شاحنات مساعدات أساسية لمدنيين عبر ممرات برية، لا يمكنها فرض وقف لإطلاق النار في غزة او إعلان دولة فلسطينية.
بدل إسقاط المساعدات، يحتاج البيت الأبيض الى إسقاط الحلول عبر لعب دور ريادي يضع الخطوط العريضة لوقف اطلاق النار، وبالتالي يعالج الأزمة من جذورها بدل إيصال مساعدات محدودة لن تغيّر أمر الواقع الميداني.
خطوة بايدن للإنزال الجوي تعكس دليل ضعف أكثر من دولة عظمى تهتم بالقضايا الإنسانية.