بقلم: فارس خشان- النهار العربي
الشرق اليوم– أعاد “حزب الله” الى المعادلة الجنوبيّة، في الأيّام القليلة الماضية، كلًّا من “كتائب القسام” و”سرايا القدس”، بعدما كان قد “أخفاهما” لأسابيع طويلة، بالتزامن مع بروز “حركة أمل” في المواجهات.
وكانت “سرايا القدس”، الجناح العسكري ل”تنظيم الجهاد الإسلامي” قد نعت، أوّل من أمس، شهيدين لها سقطا في المواجهات الحدوديّة، وفق ما أعلنته في بيان لها، في حين أطلّت ” كتائب القسّام”، الجناح العسكري لحركة “حماس” بإعلان عن قصفها من لبنان المراكز العسكرية الإسرائيلية في محيط مدينة كريات شمونة.
ما الذي دفع ب”حزب الله” لإعادة هذين التنظيمين الإسلاميّين الفلسطينيّين الى الواجهة؟
في الواقع، لا تحتاج “المقاومة الإسلامية في لبنان” إلى أيّ مجهود عسكري إضافي، فهي لم تستنفد مقاتليها ولا صواريخها بعد، ووفق ما يقوله قياديّوها، فهي لم تستعمل سوى نسبة بسيطة جدًّا من قدراتها الكبيرة.
وكان “حزب الله”، بعدما سمح لتنظيمات فلسطينية بالعمل ضد إسرائيل من لبنان، في المرحلة السابقة من حرب “طوفان الأقصى”، بهدف تقديم نموذج عن “وحدة الساحات” في “جبهة المقاومة”، قد اضطر الى التراجع عن ذلك، بعدما أثار غضبًا ليس في عموم لبنان فحسب بل ضمن الطائفة الشيعيّة، أيضًا، بحيث أحيا في الذاكرة اللبنانيّة الجماعية مرحلة “فتح لاند” وما جرّته من ويلات خارجية وداخليّة.
ولكنّ إبعاد “حزب الله” لشريكيه الفلسطينيّين في “جبهة المقاومة” لم يجلب له “السعادة”، فدخول “حركة أمل” الى المواجهة جعله تحت “نيران” المقارنة، بحيث ظهر، في مقابل خطابها اللبناني، عجميًّا، إذ إنّ جنوبيّة “حركة المقاومة اللبنانيّة” أظهرت إيرانية “المقاومة الإسلامية في لبنان”.
ولم تقتصر الأمور عند حدود المقارنة، إذ إنّ غالبية اللبنانيّين نأوا بأنفسهم عن “حزب الله”، بحيث بات يعتبره حتى أولئك الذين طالما تحالف معهم، ك”التيّار الوطني الحر” خطرًا على لبنان وشعبه.
وبات “حزب الله” مع وصول الوساطات الدوليّة الى “مرحلة الحسم”، بفعل “إيرانيّته” هنا و”عزلته” هناك و”خسائره” هنالك، بحاجة الى إعادة الإعتبار الى أوراق قوّته. الورقة الحاسمة بيد “المقاومة الإسلاميّة في لبنان” ليست قوّته الناريّة المتمثّلة بترسانة الصواريخ التي يملكها، ولا في خبرة “قوّة الرضوان” التي “يصطاد” الجيش الإسرائيلي قياداتها حيث وجدهم. الورقة الحاسمة هذه تتمثّل في قدرته على إحداث الفوضى وإدارتها، وليس لديه أهم من “كتائب القسّام” و”سرايا القدس” لتخصيب هذه الورقة.
وبهذا المعنى، فإنّ “حزب الله” يطرح على اللبنانيّين، أوّلًا وعلى الوسطاء الدوليّين، ثانيًّا، وعلى إسرائيل، ثالثًا، أن يختاروه هو أو الفوضى. هو، بكل ما يعرفونه عن قدرته على ضبط الأمور، وفق ما يرتأيه. والفوضى، بكل ما يعرفونه عن مرحلة ما قبل العام 1982.
وهذا يفيد بأنّ “حزب الله” يقدّم نموذجًا عمّا سوف يُقدم عليه في حال واجه “السيناريو الأسوأ” ، أي إضعافه في حرب إسرائيلية واسعة، وإبعاده بالقوة الى وراء الضفة الشماليّة لنهر الليطاني وتطبيق حديدي للقرار 1701.
في حال حصول “السيناريو الأسوأ”، لن يعلن “حزب الله” هزيمته، بل سوف يرد عليها بإشاعة الفوضى الممسوكة، بحيث يسترد تحت أعلام متنوّعة متوافرة له، ما يمكن أن يخسره، ممّا يُبقي الشمال الإسرائيلي تحت رحمة الرعب.
ومن خلال “توافق” كل من “الجهاد الإسلامي” و”حركة حماس” يستطيع “حزب الله” الإمساك بالمخيّمات الفلسطينيّة في لبنان وتحويل لاجئيها الى وقود في إثارة “الفوضى”.
وسبق أن مهّدت “حماس” لذلك عندما أعلنت في بداية كانون الأوّل ( دسمبر) الماضي ، قبل أن تضطر إلى “الصمت”، عن تأسيس “طلائع طوفان الأقصى”، ودعت في بيان رسمي ” أبناء الشعب الفلسطيني وكل الشباب والرجال إلى الانضمام إلى طلائع المقاومين والمشاركة في “صناعة مستقبل القضية الفلسطينية وفي تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك”.
إنّ “حزب الله” يضع، في هذه المرحلة، كلّ أوراقه على الطاولة ويقول لهؤلاء اللبنانيّين الذين أثبتوا بأنّهم يرفضون نهجه: خافوا منّي!