الشرق اليوم– فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي طال انتظاره العام الماضي. فقد استعادت روسيا السيطرة على أفدييفكا، وهو أكبر مكسب حربي لها منذ تسعة أشهر، واضطر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الاعتراف – بهدوء – بالواقع العسكري الجديد. وتتمثل استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الآن، في الإبقاء على زخم الدفاع الأوكراني إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، على أمل إنهاك القوات الروسية في حرب استنزاف طويلة. وتبدو هذه الاستراتيجية معقولة بالقدر الكافي، لكنها تحتوي ضمناً على تعقيدات بالغة الأهمية وعيب كارثي محتمل، وهو الأمر الذي لم يتم التعامل معه بجدية حتى الآن في المناقشات العامة في الغرب أو في أوكرانيا.
إن حقيقة اتخاذ أوكرانيا موقفاً دفاعياً إلى أجل غير مسمى، حتى لو نجحت فيه، يعني خسارتها للأراضي التي تحتلها روسيا حالياً. ولن توافق روسيا أبداً على طاولة المفاوضات على تسليم الأراضي التي تمكنت من الاحتفاظ بها في ساحة المعركة، وهذا لا يعني أن تتخلى أوكرانيا عن هذه الأراضي رسمياً، لأن ذلك مستحيل أن تقبله أي حكومة أوكرانية. لكنه يعني – كما اقترح زيلينسكي في وقت مبكر من الحرب في ما يتعلق بشبه جزيرة القرم وشرق دونباس – أنه يجب تأجيل هذه القضية الإقليمية للمحادثات المستقبلية.
وكما تعلمنا من قبرص التي تم تقسيمها بين جمهورية قبرص اليونانية المعترف بها دولياً، وجمهورية شمال قبرص التركية منذ عام 1974، فإن مثل هذه المفاوضات يمكن أن تستمر لعقود من الزمن من دون التوصل إلى حل، أو قد يتجدد الصراع بشأنها، وهو وضع قد تعتبره الأجيال السابقة من الأوكرانيين بمثابة نصر حقيقي تستطيع فيه أن تتمتع بلادهم باستقلالها وحريتها لكي تتطور كديمقراطية غربية، مع احتفاظها بـ82% من أراضيها القانونية (بما في ذلك جميع أراضيها التاريخية الأساسية).
قبول الخسارة
وكما بينت في العام الماضي، فإن العديد من الأوكرانيين كانوا على استعداد لقبول خسارة بعض الأراضي كثمن للسلام إذا فشلت أوكرانيا في استعادتها مرة أخرى في ساحة المعركة، وكان البديل هو سنوات من الحرب الدموية مع احتمال ضئيل للنجاح.
إلا أن الداعين إلى النصر الكامل كان يحدوهم كثير من التفاؤل. ومثال على ذلك، الفكرة التي طرحها الجنرال المتقاعد في الجيش الأميركي بن هودجز وآخرين، ومفادها أن روسيا يمكن هزيمتها، بل حتى طردها من شبه جزيرة القرم، من خلال قصف صاروخي بعيد المدى. وتعد هذه حماقة. لقد حقق الأوكرانيون بعض النجاحات الملحوظة ضد أسطول البحر الأسود الروسي، ولكنْ لاستعادة شبه جزيرة القرم، سيحتاجون إلى أن يكونوا قادرين على إطلاق عملية إنزال برمائية ضخمة، وهي عملية صعبة للغاية تتجاوز قدراتهم من حيث السفن والرجال، كما أن الهجمات على البنية التحتية الروسية تعد بمثابة وخزات صغيرة جداً، نظراً لحجم روسيا ومواردها.
الأكثر واقعية هو الاقتراح القائل إنه من خلال الوقوف في موقف دفاعي هذا العام، يمكن للأوكرانيين إلحاق خسائر بالروس، بحيث يمكنهم – إذا تم تزويدهم بمزيد من الأسلحة الغربية – القيام بهجوم مضاد في عام 2025. وهذا يعتمد على لعب الروس للعبة بالطريقة التي تريد أن تلعب بها كييف وواشنطن.
ويبدو أن الاستراتيجية الروسية في الوقت الحاضر مختلفة. لقد استدرجوا الأوكرانيين إلى معارك طويلة من أجل مساحات صغيرة من الأراضي مثل أفدييفكا، حيث اعتمد الروس على التفوق في المدفعية والذخائر لإنهاك الأوكرانيين من خلال القصف المستمر، فقد كانوا يطلقون ثلاث قذائف على كل أوكراني. وبفضل المساعدة التي قدمتها إيران جزئياً، تمكنت روسيا الآن، من نشر أعداد كبيرة جداً من الطائرات بدون طيار.
ولكي يحظى الأوكرانيون بفرصة، يشير التاريخ العسكري إلى أنهم سيحتاجون إلى «ميزة 3 إلى 2» في القوة البشرية، وقوة نيران أكبر بكثير. فقد تمتعت أوكرانيا بهذه المزايا في العام الأول من الحرب، لكن هذه الميزة تميل الآن نحو روسيا، ومن الصعب للغاية أن تستعيدها أوكرانيا.
لقد كانت إدارة بايدن محقة تماماً في التحذير من أنه من دون مزيد من المساعدات العسكرية الأميركية الضخمة، فمن المرجح أن تنهار المقاومة الأوكرانية هذا العام. ولكن يتعين على المسؤولين الأميركيين أيضاً، أن يدركوا أنه حتى لو استمرت هذه المساعدات، فلن تكون هناك فرصة واقعية لأوكرانيا لتحقيق النصر الكامل في العام المقبل، أو العام الذي يليه، وحتى لو تمكن الأوكرانيون من بناء قواتهم، فإن روسيا تستطيع تقوية دفاعاتها بشكل أكبر.
حافز قوي
لدى إدارة بايدن حافز قوي لاختبار مدى صدق أو عدم صدق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن تصريحاته بأن روسيا مستعدة لمحادثات السلام. ولاشك في أن عملية السلام الناجحة ستنطوي على بعض التنازلات المؤلمة من جانب أوكرانيا والغرب. ولتحقيق ذلك، لابد أن تتضمن التسوية السلمية تخلي بوتين عن الخطة التي بدأ بها الحرب، والتي تقضي بتحويل أوكرانيا بالكامل إلى دولة تابعة لروسيا، والاعتراف بسلامة أراضي أوكرانيا داخل حدودها الحالية بحكم الأمر الواقع.
وإذا لم يتحقق ذلك فإن الأراضي الأوكرانية المحتلة ستضيع، وتصبح عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) عديمة الجدوى إذا لم يكن الحلف مستعداً لإرسال قواته للقتال من أجل أوكرانيا ضد روسيا. وفي المقام الأول من الأهمية، مهما كان اتفاق السلام مؤلماً اليوم، فإنه سيكون أكثر إيلاماً إذا استمرت الحرب وهُزمت أوكرانيا.
تواجه أوكرانيا اليوم نحو 470 ألف جندي روسي يهاجمون كل يوم المواقع الأوكرانية باستخدام مجموعات هجومية من المشاة. فإذا كان لدى أوكرانيا ما يكفي من المدفعية، فيمكن صدُّ هذه الهجمات بسهولة، لأن بضع قذائف من عيار 155 ملليمتراً ستقتل المهاجمين بمجرد أن يبدأوا في التقدم من مواقعهم المغطاة، لكن أوكرانيا مضطرة إلى تقنين وحداتها لإطلاق ألفي طلقة فقط يومياً عبر مسافة 750 ميلاً. وتمتلك أوكرانيا نحو 350 قطعة مدفعية، لكنها لا تمتلك أي مدفعية على الإطلاق في العديد من مناطق الجبهة.
إن النقص في الأسلحة والقذائف لا يقلل فقط من قدرة أوكرانيا على صدّ الهجمات الروسية، بل يجعل المدفعية الأوكرانية أكثر عرضة للطائرات بدون طيار الروسية «لانسيت – إم 3» ونيران البطاريات المضادة. وتمتلك روسيا أكثر من 4000 قطعة مدفعية في أوكرانيا، وتطلق نحو 10 آلاف طلقة يومياً عبر الجبهة، لذلك فعندما يفتح مدفع هاوتزر أوكراني النار، يجب عليه البقاء خارج نطاق المدافع الروسية، والتحرك بسرعة لتجنب تدميره من قبل الروس بإطلاق النار.
- العديد من الأوكرانيين كانوا على استعداد لقبول خسارة بعض الأراضي كثمن للسلام إذا فشلت أوكرانيا في استعادتها مرة أخرى في ساحة المعركة، وكان البديل هو سنوات من الحرب الدموية مع احتمال ضئيل للنجاح.
- اعتمد الروس على التفوق في المدفعية والذخائر لإنهاك الأوكرانيين من خلال القصف المستمر، فقد كانوا يطلقون ثلاث قذائف على كل أوكراني.
المصدر: الإمارات اليوم