الرئيسية / مقالات رأي / أزمة نظام سياسي

أزمة نظام سياسي

الشرق اليوم- انحدار مستوى الخطاب السياسي في الحملات الانتخابية بين الرئيس الديمقراطي جو بايدن، والمرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، ليس حالة استثنائية في الحياة السياسية الأمريكية، إنه تعبير عن أزمة حقيقية يعانيها النظام الأمريكي الذي “لم يعد يعمل بشكل صحيح، ويجب إصلاحه” حسب قول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

يتوالى الإسفاف في اللغة التي يستخدمها ترامب في توصيف خصمه إلى حد وصفها بأنها «لغة سوقية»، تارة يصفه ب«الفاسد» وتارة أخرى ب«المحتال» و«المثير للشفقة» و«أسوأ رئيس للولايات المتحدة» و«أحمق ومعتوه» إلخ..، وهي أوصاف خارج اللياقات السياسية التي يجب أن تظل في حدود الاحترام المتبادل حتى بين الخصوم السياسيين، لكنها في الحقيقة تعبير عن حالة من السلوك السياسي الذي هو جزء من أزمة سياسية يعانيها النظام الأمريكي الذي يزيد عمره على 240 عاماً من دون أن يتجدد أو يتطور، خصوصاً فيما يتعلق بالسلبيات المتعلقة بالديمقراطية والنظام الانتخابي.

إن دولة بحجم الولايات المتحدة لا يتنافس فيها في الانتحابات التشريعية والرئاسية إلا حزبان، ولا توجد فرصة لحزب ثالث، هي ديمقراطية مبتورة ومشوهة، ذلك أن المال الانتخابي الذي تقدمه لوبيات السلاح والنفط والأدوية والتكنولوجيا واللوبيات السياسية وغيرها، لتمويل الحملات الانتخابية، وليست المبادئ والبرامج السياسية، هي من تعطي فرصة للفوز. كما لا يوجد في الدستور الأمريكي ما ينص على حق الناخب في اختيار رئيسه بشكل مباشر، بل يعطي هذا الحق لأعضاء المجمع الانتخابي من دون غيرهم. فإذا حصل المرشح على أكثرية شعبية فلن يحقق الفوز إلا إذا حصل على العدد الأكبر من أصوات المجمع الانتخابي، وبذلك تفقد الديمقراطية أحد أركانها المهمة وهي «حكم الشعب».

إن «الآباء المؤسسين» الذين وضعوا هذا النظام عام 1786 وتم تطبيقه عام 1789 اعتقاداً منهم أنه النظام الأفضل في ذلك الزمان، لم يضعوا في حسبانهم أنه سيظل جامداً ولن يتطور، وسوف يتم استغلاله لمصلحة مجموعة سياسية محددة أو لجماعات المصالح التي ترى في هذا النظام فرصة لتعظيم دورها ومكاسبها، ومن بينها المجمع الصناعي العسكري الذي كان الرئيس الأسبق دوايت إيزنهاور قد حذر في خطابه الوداعي يوم 17 يناير/كانون الثاني 1961 من دوره في تحديد السياسات الأمريكية والأمنية بغرض الهيمنة والتوسع، خصوصاً أن هذا المجمع بات يضم بشكل أساسي أربعة كيانات هي: إدارات الأمن العسكري، والمؤسسات ذات الصلة بالدفاع مثل البنتاغون ومصانع الأسلحة، والكونغرس، والمؤسسات الأكاديمية.

ومن خلال هذا «النظام المثقوب» يبرز الجمود السياسي المتمثل ب«الجمهوري» و«الديمقرطي» فقط، وتصحير الحياة السياسية، والفساد السياسي والانقسام المجتمعي، وتسرب الحزبية إلى المؤسسات، وسيطرة اللوبيات، وتسييس القضايا الاجتماعية لحساب المصالح الحزبية، وتعاظم الشعبوية والتطرف، وعودة الممارسات العنصرية، وكراهية الأجانب و«الإسلاموفوبيا»، وكلها ظواهر برزت وتعاظمت في السنوات الأخيرة، خلال فترة حكم ترامب، وهي تتجدد الآن بشكل صارخ في الحملات الانتخابية، وخصوصاً في خطابات ومواقف الرئيس السابق التي باتت تشكل سمة من سمات تقهقر الديمقراطية الأمريكية، وتثير المخاوف مما تشكله من مخاطر ظهور «الدكتاتورية» و«الاستبداد» وعودة المكارثية إلى الحياة الأمريكية بعد 74 عاماً على ظهورها.

المصدر: صحيفة الخليج

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …