بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– لا يمكن بأي حال الزعم أن العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية يشوبها توتر قد يؤدي إلى قطيعة؛ إذ إن الجانبين تجمعهما علاقات استراتيجية، وأيديولوجية، ومصالح مشتركة، لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال، فالرئيس الأمريكي بايدن أكد مرات عدة سابقاً أنه «لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها»، لكن ربما ثمة اختلافات في وجهات النظر، تبدو للوهلة الأولى أنها عميقة، غير أنها في واقع الأمر أشبه بحرص الأب على ابنه، الذي قد يوبخه أحياناً.
ارتفاع فاتورة الضحايا الفلسطينيين في غزة، ووصولها إلى حدود 30 ألفاً، عدا ضعفهم، وأكثر من الجرحى والمفقودين، وجلّهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى طول أمد الحرب، والظروف الإنسانية البائسة التي يعيشها السكان، وتعنت الحكومة اليمينية في إسرائيل في تخفيف الضغط العسكري على المدنيين، أو الالتزام بهُدن إنسانية، يضع الإدارة الأمريكية في موقف أخلاقي محرج، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات العالمية، الرسمية والشعبية، الرافضة للحرب، وحدوث تصدع داخل إدارة بايدن ذاتها، في ظل وجود فئة مستاءة من نهج التسامح المتبع مع تل أبيب.
إدارة بايدن تعي خطورة الموقف في المنطقة؛ إذ ثمة مخاوف حقيقية من توسع رقعة الصراع؛ بحيث تكون المصالح الأمريكية في المنطقة على المحك، وهي بالفعل قد تلقت ضربات عدة، كما أن إسرائيل «المحسوبة على أمريكا»، أعمى عينيها الانتقام، وتجاوزت الخطوط الحمراء كافة، وتواجه خطراً، عسكرياً وسياسياً، كما تحطمت صورتها التي حاولت ترويجها على مدى العقود الماضية أنها واحة حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة والعالم؛ لذا فإن أمريكا تعمل على تقليل الخسائر الإسرائيلية باتّباع سياسة مواربة، من خلال حثها على التخفيف من حدة عملياتها، وفي اللحظة ذاتها، فهي أبدت التزاماً حديدياً تجاه تل أبيب، عبر مدّها بجسر جوي من السلاح، ودعمها سياسياً في كل المحافل؛ حيث استخدمت الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن، لمنع وقف إطلاق النار، وتصدرت الموقف كما لو أنها حربها، لأنها تعي أن ضرب إسرائيل يعني ضرباً للمنظومة الغربية ككل، التي تقودها أمريكا.
كما أن واشنطن تحاول حمل العصا من الوسط، فهي لا تريد لإسرائيل أن تخرج خاسرة من حربها، وفي الوقت ذاته ترغب في وقف هذه الحرب لأنها تواجه معضلة الصعود الروسي والصيني، والانشغال بالحرب سيخفف ضغطها على هاتين الدولتين؛ لذا فهي معنية بإنهاء الحرب في أقرب فرصة بشرط تحقيق مصالح إسرائيل.
وعلى الرغم من الأخطار كلها، فإن واشنطن ملتزمة بدعم إسرائيل، بسبب لوبيات الضغط، التي تؤثر في حظوظ نجاح أي رئيس مقبل، وبالتالي، فإن اقتراب الانتخابات جعل بايدن يصّر على التماهي مع توجهات بنيامين نتنياهو، إلى أبعد مدى، حتى لو كانت غير عقلانية، وتضر استراتيجياً، بواشنطن، ما سيجعل الولايات المتحدة شريكاً في كل ما يحدث، والخاسرة الأكبر في الوقت ذاته على الصعد كافة.