بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم– هل قال رئيس الأركان الأوكراني الجديد الجنرال أولكسندر سيرسكي شيئاً لم يقله سلفه الجنرال فاليري زالوجني، عندما أقر الخميس بأن “الوضع معقد جداً” على الجبهة؟
طبعاً لا. فالجنرال المقال اعتبر أن الحرب في “طريق مسدود” فاستوجب اقالته من قبل الرئيس فولوديمر زيلينسكي الذي يعتقد أن الحرب تحقق نجاحات بدليل “الانتصار” الذي حققته كييف على أسطول البحر الأسود وشق طريق لتصدير الحبوب، من دون حاجة إلى اتفاق مع روسيا التي أنهت العمل باتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة وتركيا في آب (أغسطس) 2022.
العسكريون الأوكرانيون إجمالاً يبدون واقعية أكثر بكثير من زيلينسكي وفريقه المقرب. الجنرالات هم أقرب إلى الجبهات ومتطلباتها في وقت تعاني المساعدات الغربية من شح هائل بسبب الخلافات السياسية التي تعرقل تمرير صفقة الـ61 مليار دولار لأوكرانيا، والمشاكل التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي في انتاج الذخيرة والأسلحة التي تحتاجها الجبهات لمواصلة حرب تحولت بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد الصيف الماضي إلى حرب خنادق على غرار جبهات الحرب العالمية الأولى.
و”التجديد” الذي طلبه زيلينسكي من قيادته العسكرية، هل يمكنها من القفز على الواقع الميداني، الذي يفترض أن مواجهة الجيش الروسي الأكثر عدداً وعدة تتطلب من أوكرانيا أن تحوز على تفوق تكنولوجي وفق ما قال زالوجني بالتحديد.
أما زيلينسكي فلا يزال يعلق الآمال على امكان تجاوز إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اعتراضات الجمهوريين في الكونغرس وإقرار صفقة المساعدات لأوكرانيا، وتالياً التمكن من إعداد القوات الأوكرانية لهجوم مضاد جديد، محصناً هذه المرة بمقاتلات “إف-16” الأميركية الصنع، التي يراهن زيلينسكي على أنها ستحقق غطاء جوياً للقوات المتقدمة على الجبهات، بخلاف ما جرى في الهجوم المضاد السابق.
ومع معاناة أوكرانيا من نفاد الذخائر والموارد، سافر زيلينسكي مرتين إلى واشنطن منذ أيلول (سبتمبر) واجتمع مع قادة الكونغرس.
وإلى حد ما، لم يعد في امكان زيلينسكي نفسه تجاهل الواقع الذي تواجهه أوكرانيا. واعترف بنفسه في خطاب قبل أيام، بأن الشعب صار “يتحدث بنبرة أضعف” عن النصر مما كان يفعل في السابق. ولم يتمكن من الهروب من حقيقة أن “الشعور بالركود قد أثر على مزاج الرأي العام”.
بعد أيام تدخل الحرب عامها الثالث من دون أن يتمكن أي طرف من حسمها. وتفيد تجارب التاريخ أنه في الصراعات التي تلج مرحلة من الجمود، يلجأ المتنازعون عادة إلى الحوار للخروج من المأزق، وتلافي تكبد المزيد من الخسائر البشرية والمادية، في حال أمكن تحقيق الكثير من الأهداف التي دفعت إلى قيام الحرب بالوسائل الديبلوماسية.
إن طرد القوات الروسية من عشرين في المئة من الأراضي الأوكرانية لن يتحقق بهجوم سريع، كذاك الذي حدث في أواخر 2022 وأدى إلى ابعاد الجيش الروسي عن خاركيف وخيرسون في غضون أسابيع. وأثبتت التحصينات التي أقامها الروس أن ليس من السهل اختراقها بسرعة، وأن الأمر يتطلب خسارة المزيد من الأرواح والعتاد.
إن تغيير القيادة العسكرية لن يأتي بحل سحري، وستزداد الأمور قتامة على زيلينسكي في حال عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وهو يلوح منذ الآن بأنه سيشجع روسيا على مهاجمة دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي لا تدفع ما عليها من مستحقات مالية، فكم بالحري سيكون عليه الحال مع أوكرانيا التي يحرض الرئيس السابق الجمهوريين في الكونغرس على عدم تمرير صفقة المساعدات التي طلبها بايدن لها.
بعد كل ذلك، ليس مستغرباً أن يتحدث الجنرال سيرسكي عن “الوضع المعقد جداً” على الجبهات. إن أموراً كثيرة تغيرت منذ عامين وحتى الان.