الشرق اليوم- تدفع المخاوف من كارثة إنسانية لا تحتمل في مدينة رفح، التي يتهددها غزو إسرائيلي وشيك، معظم الدول الأوروبية إلى إشعال الضوء الأحمر في وجه حكومة الحرب في تل أبيب، وتطالبها بالامتناع عن توسيع دائرة المأساة الفلسطينية في قطاع غزة، وقد شهدت الأيام الماضية عاصفة من الانتقادات لهذه العملية الوشيكة، بما في ذلك في الولايات المتحدة، التي يبدو أنها تحاول مراجعة حساباتها، دون أن تقترب من درجة الحسم.
في الأيام الماضية أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن مكالمات هاتفية لساعات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دعاه فيها إلى وقف مؤقت لإطلاق النار والعمل على إنجاح مفاوضات إطلاق سراح الأسرى والرهائن، في الوقت الذي تقول فيه مصادر أمريكية إن الخلافات بين الحليفين قد تصل قريباً إلى درجة الغليان، ليس رأفة من سيد البيت الأبيض بالفلسطينيين، وإنما لأن المصالح الأمريكية في المنطقة أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى، وأن أي عملية إسرائيلية في رفح قد تفجر أزمة غير مسبوقة مع مصر، التي لا تفوت فرصة لا تحذر فيها من التداعيات الكبرى لهذا العمل.
ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين مطلعون على مدى جدية التحذيرات الصادرة من القاهرة، ويحاولون في المقابل إخماد تهور نتنياهو ورموز التطرف والعنصرية في حكومته، فاستمرار هذه الحرب بكل ما تتضمنه من جرائم إبادة وتدمير وتجويع لأكثر من مليوني فلسطيني لم يعد له أي مبرر، وإذا لم تتوقف بسرعة فربما تدخل فصلاً جديداً لا يمكن السيطرة عليه، وتجد الولايات نفسها في ورطة استراتيجية في الشرق الأوسط، لا تستطيع معها حماية مصالحها أو الدفاع عن إسرائيل.
بموازاة الموقف الأمريكي الحرج، تبدو أصوات أغلب الحكومات الأوروبية أكثر وضوحاً وتبرؤاً مما تفعله إسرائيل، ففي بداية الحرب في أكتوبر الماضي بلغ التباكي الغربي أوجه، بإعلان الدعم المطلق لإسرائيل، وتوافد زعماء كثيرون إلى تل أبيب ووقفوا وقفات لا تنسى في التحريض على التصعيد، وهو ما أنتج هذه المأساة التي ستلاحق دماء الأبرياء فيها كل من ساند بالقول أو الفعل حرب الإبادة.
وعندما بدأت الحقائق تنكشف تغيرت اللهجة ضد إسرائيل، وتعالت الدعوات إلى ضرورة وقف القتال، والاعتراف بأن حجم قتل الفلسطينيين غير مسبوق ولا يُحتمل. وتحت ضغط المشاهد المؤلمة للنساء والأطفال والدمار الواسع لم يعد انتقاد إسرائيل من المحرمات، في مقابل اتساع التعاطف مع الضحايا الفلسطينيين، فها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي دعا في بداية الأزمة إلى تحالف دولي لدعم إسرائيل، أصبح اليوم يطالب بوقف الحرب وإيصال المساعدات فوراً إلى المدنيين الذين يموتون جوعاً، كما قال، للمرة الأولى، إن “الاعتراف بدولة فلسطينية ليس من المحرمات بالنسبة إلى فرنسا”.
الواضح أنه بعد الحرب الإسرائيلية على غزة سقطت قواعد ومحرمات لم يكن متوقعاً أن تسقط. وعندما يقول القادة الغربيون، بمن فيهم بايدن، إن العنف الدموي الإسرائيلي تجاوز الحد يؤشر ذلك على أن مذابح غزة، التي لا تحصى، باتت تحرج الغرب وتضعه في مأزق متعدد المستويات، سياسياً وأخلاقياً وتاريخياً. ومع ذلك فإن الشعور بالحرج لا يكفي، وإنما يجب أن يتعداه إلى الإجراء والفعل، ولا يكون ذلك إلا بالاعتراف بالشعب الفلسطيني وتبني حقوقه المشروعة، والسعي إلى تصحيح الأخطاء التاريخية التي لا تُغتفر.
المصدر: صحيفة الخليج