بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لا شك أن صورة الولايات المتحدة الأمريكية اهتزت كثيراً، بسبب طبيعة تعاطيها مع حرب غزة القائم على الانحياز التام لإسرائيل، دون وعي حقيقي بأثر ذلك على المصالح الأمريكية في المنطقة ومجريات التنافس بين القوى الكبرى على ما يمكن تسميته بالأدوار الرئيسية في العالم، أو قيادته.
ليس الجديد الانحياز الأمريكي لإسرائيل، فهذا نهج كل الإدارات، وبمستويات متباينة، لكن الملاحظ عدم الانتباه إلى روابط الولايات المتحدة بالمنطقة أو على الأقل بشركائها الرئيسيين فيها، خاصة مع انحسار دورها في هذه البقعة من العالم وحرص دولها الفاعلة على تنويع علاقاتها حسب مصالحها ولعب دور فاعل في الترويج لأهمية تعدد الأقطاب بعد تبين خطر الأحادية.
منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، اتسم التعامل الأمريكي مع الحرب في غزة بالتخبط، فبداياته كانت اصطفافاً كاملاً مع إسرائيل ومسارعة إلى نجدتها عسكرياً ودبلوماسياً إلى حد اعتبار بعض تصريحات المسؤولين الأمريكيين خطايا قد لا تكون مسبوقة بهذا الشكل. ورغم تفاقم أثر الاستهداف الإسرائيلي للفلسطينيين في غزة، فإن أياً من أهداف ذلك لم يتحقق، ومثّل ذلك إحباطاً لإسرائيل والولايات المتحدة جعلها تغيّر قليلاً من تصريحاتها المنحازة، لكن دون أثر عملي على الأرض.
لذلك، لا يمكن استغراب ما نشر عن تحذيرات أرسلها الدبلوماسيون الأمريكيون في المنطقة إلى إدارتهم من أن مهددات الوجود الأمريكي في المنطقة لا يمكن تجاهلها. والأمر لم يكن في حاجة إلى تحذيرات الدبلوماسيين، فالتهديد نفسه طال الجبهة الداخلية الأمريكية منذ شهور، ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كشفت ليزا موناكو، نائبة وزير العدل الأمريكي، عن آثار وصفتها بالمزعجة للنزاع في غزة على المجتمع الأمريكي، وذكرت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) اضطر إلى فحص أكثر من 1800 تقرير عن «تهديدات أو أنواع أخرى من النصائح أو الخيوط» المتعلقة بالحرب، وأن لديه أكثر من 100 تحقيق مفتوح بطريقة ما مرتبطة بالنزاع.
لا يجب الوقوف فقط عند التهديد الأمني لأمريكا في داخلها أو بالمنطقة، فصورتها إجمالاً تبدلت، وقد تكون البداية من أوكرانيا، ساحة الرهان الخاطئ التي وضعت العالم في إحدى لحظاته الحرجة، لكنها في الوقت نفسه نبهت الدول إلى أهمية تنوع الشراكات والأقطاب، بما في ذلك روسيا التي كان هدف التأجيج إسقاطها، والصين.
وجاءت الحرب في غزة لتزيد الاضطراب العالمي الذي لا تحسن الولايات المتحدة التعامل معه، إن لم نقل إن أداءها من مسبباته، في مقابل صمود روسي إزاء الحشد الأمريكي الأوروبي، وتعقل صيني في التعامل مع مناطق الأزمات.
و«الدور القيادي» في العالم كان موضع مساجلة أمريكية صينية غير مباشرة في مؤتمر ميونيخ الأمني، فبينما دافعت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، عن هذا الدور المعرّض لانتقادات، قال وانغ يي، وزير خارجية الصين، إن بلاده ستكون «قوة استقرار» في العالم، باعتبارها دولة كبرى مسؤولة.