بقلم: فارس خشان- النهار العربي
الشرق اليوم– في إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله”، أوّل من أمس الثلثاء، وجه السيد حسن نصرالله كلامه الى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قائلًا له: ” إذا استهدفتم لبنان بعد وقف إطلاق النار في غزة، فجهّز الملاجئ لمليوني إسرائيلي”.
يوآف غالانت كان قد أعلن أنّ الجيش الإسرائيلي لن يوقف النار على الجبهة مع لبنان، إذا توقف إطلاق النار في غزة، وذلك حتى يتحقق “الأمن الواجب” لسكان شمال إسرائيل الذيين أجلت الحكومة منهم ثمانين ألفًا الى مناطق آمنة.
ويعتبر نصرالله أنّ هذا الإجلاء هو إنجاز كبير لحزبه في “حرب المشاغلة من أجل غزة”.
وليس نصرالله وحده من يقول ذلك، بل تعترف إسرائيل على كل المستويات بذلك، وهي تحرّك العالم من أجل توفير الظروف الآمنة لعودتهم. ولتحقيق هذا الهدف الإسرائيلي تتحرك عواصم العالم وترسل موفديها الى بيروت وتطرح مبادرات. ولصالح هؤلاء تهدد إسرائيل لبنان بحرب تدميريّة تجعل منه غزة كبرى!
ولكنّ اللبنانيّين عمومًا وأبناء الجنوب خصوصًا تصيبهم القشعريرة عندما يدققون في طريقة تعامل إسرائيل مع مواطنيها المرحّلين من بلداتهم ومنازلهم: خصصت لهم فنادق وشققًا مفروشة. يتقاضون منها رواتب شهريّة تعوّض عليهم كلفة انتقالهم وتوقف أعمالهم. يتابعون قضيتهم، ساعة بساعة، ويعقدون اجتماعات عبر ممثليهم مع المسؤولين الحكوميين والدفاعيين والأمنيين. يرفعون مطالبهم اليومية والإستراتيجية الى أرفع المستويات. يهاجمون سلطات بلادهم ويضعون عليها شروطًا.
ولكن يبدو أنّ هناك “اولاد ست وأولاد جارية”. نصرالله الذي أدخل حزبه لبنان في مواجهة مع إسرائيل يتجاهل أنّ أكثر من مائة وعشرين ألف جنوبي رحلوا عن البلدات والقرى المحاذية للحدود، وأنّ الغالبية العظمى من هؤلاء لا يجدون من يكترث بأمرهم ولا من يهتم بيومياتهم، بعدما تركوا منازلهم وأرضهم ومصدر قوتهم، وفي حال رفع الصوت واحد منهم يتم تخوينه والتهجم عليه، تمامًا كما حصل مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي حين تلا مقتطفات من رسائل وصلت إليه من سكان القرى الحدوديه ووصفوا فيها أنفسهم بأنّهم أصبحوا مجرد دروع بشرية في حرب عبثية لا طائل منها.
ونصرالله عندما يهدد وزير الدفاع الإسرائيلي يطلب منه أن يجهز ملاجئ لمليوني إسرائيلي، متجاهلًا أنّ مصيرًا أسود ينتظر شرائح كبيرة من اللبنانيّين عمومًا ومن الجنوبيين خصوصًا.
نصرالله من دون أن يدري ربّما يقدّم آيات التبجيل لإسرائيل التي تبدو خائفة على شعبها ومن شعبها، في حين أنّه هو في ما يفعله لا يهتم بشأن أحد، وكأنّه مسؤول فقط عن الزناد وليس عن تداعيات هذا الزناد الوطنية والإقتصادية والحياتية والإجتماعية.
وكان يمكن للمراقبين أن يتغاضوا عن هذا التخلّي عن الشعب، لو كان الهدف من هذه المواجهات القاتلة والتدميرية مشروعًا فعلًا، فكل الأهداف التي وضعها نصرالله لها لا تستدعي لا اندلاعها من جهة ولا توسيعها من جهة أخرى.
هو يقول إنّ مصلحة لبنان في إسرائيل المردوعة والخائفة، ولذلك هو يقاتلها. ولكن ما إن ينتهي من شرح هذا الهدف وأهميّته حتى يكرر تأكيده الذي لا يغيب عن أيّ من خطاباته الأخيرة: إسرائيل مردوعة وخائفة. كانت سابقًا تقول إنها يمكن أن تجتاح لبنان بفرقة موسيقية أمّا الآن، فعلى الرغم من آلاف القذائف التي تتساقط عليها لا تجرؤ على قصف بيروت. سابقًا كان يكفي إطلاق صاروخ كاتيوشيا واحد حتى يتم استهداف بيروت.
وهذا يفيد بأنّ هدف الوصول الى إسرائيل “مردوعة” كان قد تحقق قبل الثامن من تشرين الأول (اكتوبر)، تاريخ انضمام “حزب الله” رسميًّا بحرب “طوفان الأقصى”.
الهدف الثاني الذي يعطيه الأمين العام ل”حزب الله” لفتح الجبهة الجنوبيّة هو مساندة غزة وعدم تركها وحيدة في مواجهة إسرائيل.
وهذا الهدف لا يحتاج الى دليل على أنّه “خاب” منذ لم يردع إسرائيل عن بدء عملياتها البريّة في قطاع غزة، على الرغم من تهديد “حزب الله” بأنّه سوف يفتح حربًا واسعة إن دخل الجيش الإسرائيلي الى غزة.
ومنذ ذلك التاريخ، انتقلت المبادرة بتوسيع الحرب من يد “حزب الله” الى يد إسرائيل، ودخلت إيران على الخط تحت شعار “الصبر الإستراتيجي”.
وحاليًا، تهدد إسرائيل يوميًّا بتوسيع الحرب على لبنان وتضع شروطًا حتى تمتنع عن ذلك.
ويتعاطى الوسطاء الدوليّون مع لبنان على أساس أنّه الدولة المعتدية ويطالبونه بالضغط على “حزب الله” حتى يتخلّى عن مواقعه المتقدمة على الحدود، قبل أي بحث في أيّ شأن آخر، بخصوص الخروقات البرية الإسرائيلية والتطبيق المتوازن للقرار 1701. وهذه ملفات كانت على جدول أعمال البيت الأبيض قبل السابع من تشرين الأول( امتوب) الماضي، وكلّف بشأنها المستشار آموس هوكشتاين.
إنّ مشكلة لبنان في هذه المواجهة المفتوحة بين “حزب الله” من جهة وإسرائيل من جهة أخرى تكمن في أنّ “المقاومة الإسلاميّة” تغامر في استدراج حرب تدميريّة لا أفق لها، والطامة الكبرى أنّ نصرالله يمنع كل نقاش وحوار حول جدوى “المقاومة” التي يقودها، إذ يعتبر كل من يرفض جدوى استمراريّتها عميلًا أو غبيًّا.
على أيّ حال، يبقى اللبنانيون هم الضحايا في دولة عاجزة كليّا. هي ليست عاجزة سياديًّا فحسب بل مدنيًّا أيضًا. مساء أمس استهدفت مسيرّة إسرائيليّة مبنى سكنيًّا في مدينة النبطيّة، وحتى منتصف الليل، ساعة الإنتهاء من كتابة هذا المقال، لم يكن الدفاع المدني قادرًا على إنهاء عمليات الإنقاذ لمجموعة طمرها الركام.