بقلم: أمال شحادة- اندبندنت
الشرق اليوم– في ذروة الخلافات والصراعات داخل “الكابينت” الحربي الإسرائيلي، واستطلاعات الرأي التي تمنح رئيس المعسكر الوطني ورئيس الأركان السابق بيني غانتس تفوقاً على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، اتخذ الاثنان مسارين متناقضين في طرحهما لخطط مستقبل الحرب واليوم الذي يليها، على رغم المطلب الأميركي منذ نحو شهرين ببلورة موقف رسمي تجاهها من قبل “الكابينت”.
ويتزامن الكشف عن الخطتين المنفصلتين مع توجه رئيس “الموساد” ديفيد برنياع، على رأس وفد إسرائيل إلى القاهرة الثلاثاء، وفي حوزته مسودة خطة للموقف الرسمي الإسرائيلي الذي رفضت الأجهزة الأمنية الكشف عن بنوده، وفي جوهرها، بحسب مراقبين، أن إسرائيل أبدت مرونة في بعض البنود التي شملها اقتراح قمة باريس.
المسودة، كما تبين من مناقشة الإسرائيليين لها، نقلتها إسرائيل إلى الوسطاء للاطلاع عليها قبل اجتماع الثلاثاء. وبحسب مسؤول إسرائيلي فإن الوفد يسعى في القاهرة إلى جس نبض “حماس” حول كل ما يتعلق بصفقة الأسرى، وإذا ما كانت الحركة تبدي مرونة في الشروط التي سبق أن طرحتها، وكان واضحاً لها أن إسرائيل لن تقبل بها.
خطتا نتنياهو وغانتس تتقاربان في أبرز النقاط التي من شأنها تمديد فترة الحرب وحتى احتدام التوتر. فالاثنان يرفضان التنازل عن اجتياح رفح على رغم المعارضة الدولية والأميركية لذلك، بل إن غانتس أعلن أن المسالة غير قابلة للنقاش، وتنفيذ العملية في رفح مسألة في غاية الأهمية. كما أن تكرار شعار القضاء على “حماس” وإبعاد قيادتها من غزة هو أيضاً بند يتفق عليه الاثنان.
ومحصلة الخطتين هي: رفح وسكانها سيكونون الضحية الأكبر، ومن تلك المدينة ستخرج المدرعات الإسرائيلية معلنة نصرها في هذه الحرب.
عوائق خطة نتنياهو
وتهدف خطة نتنياهو إلى تحقيق أهداف الحرب، وتتضمن مراهنة كبيرة على عملية عسكرية تنطلق من رفح على أن يتم حسمها سريعاً. ويطمح في التوصل إلى اتفاق صفقة أسرى قبل حلول شهر رمضان في مارس (آذار) المقبل.
بحسب ما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصدر مقرب من نتنياهو، فإن رئيس الحكومة يرفض اليوم الكشف عن تفاصيل خطته خشية الاعتراض عليها من قبل الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وانسحابهما من الحكومة، بالتالي تفكيكها. وعليه فإن نتنياهو ينتظر ما يتمخض عن مفاوضات صفقة الأسرى، وفي حال نجحت إسرائيل في التوصل إلى تفاهمات مع “حماس” بموجب صفقة فإن المراحل التي ستليها، وتشملها خطة نتنياهو، ستطرح للنقاش العلني الواسع.
الخطة يناقشها وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الصديق المقرب لنتنياهو، مع الإدارة الأميركية ضمن نقاش اجتياح رفح وما تخطط له إسرائيل في هذه المنطقة التي تضم مليوناً و400 ألف فلسطيني. والموقف الذي طرحته القيادتان السياسية والعسكرية مفاده أنه لا يمكن إنهاء الحرب من دون عملية رفح، كونها المعقل الأهم لقيادة “حماس” بعد خان يونس، ويراهن نتنياهو على حسم عسكري في رفح في غضون فترة قصيرة مع القضاء على قيادة “حماس”، وإن لم تؤد العملية إلى اغتيال يحيى السنوار وغيره من القيادات، فإنها حتماً ستحيدهم قبل حلول شهر رمضان أو خلاله، وستسهم في القضاء على حكمهم، وتساعد إسرائيل على اتخاذ قرارات حول اليوم الذي يلي حرب غزة من موقع قوة.
والعائق الذي يقف أمام تنفيذ خطة نتنياهو هو القتال في خان يونس ثم في رفح، حيث أوضح رئيس الأركان في رد على مطلب نتنياهو حول تسريع تفكيك “حماس” في المدينة الأولى والانطلاق نحو السيطرة على الثانية، أن هاتين المهمتين تتطلبان وقتاً ربما يستمر أسابيع، وحتى بعد شهر رمضان.
مطلعون على خطة نتنياهو يتوقعون أن يبدأ بدفعها قدماً بعد التوقيع على صفقة أسرى خلال شهري أبريل (نيسان) أو مايو (أيار) المقبلين.
تحديد الفترة الزمنية هذه يأتي انطلاقاً من التقارير التي عرضها الجيش حول قتال وحداته في غزة، والتي تشير إلى أن المرحلة الثالثة من الحرب ستنتهي في أبريل المقبل. ومن ثم ينتقل الجيش إلى المرحلة الرابعة التي تشمل سيطرة أمنية إسرائيلية على القطاع من خلال منطقة عازلة، وهي المرحلة الأخيرة من حرب “طوفان الأقصى”.
ويأمل نتنياهو في نهاية خطته بأن يتوصل إلى اتفاق تطبيع علاقات مع السعودية، على أن تنجح إسرائيل حتى ذلك الوقت في التوصل أيضاً إلى تسوية دبلوماسية مع لبنان، وضمان أمن الحدود الشمالية، وعودة السكان إلى بلداتهم التي أبعدوا عنها منذ أربعة أشهر.
فترة أطول عبر مراحل
أما خطة بيني غانتس وعضو حزبه رئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت، فتأتي خصوصاً من الناحية الزمنية مغايرة لخطة نتنياهو، بحيث يطمح غانتس وإيزنكوت إلى التوصل لسلام وتحقيق مشروع الدولتين.
وخطة غانتس مطروحة على مراحل، بينها إفساح المجال لهدنة طويلة تضمن إعادة جميع الأسرى لدى “حماس”، لكنها تشدد على أن الصفقة لن تنفذ بأي ثمن بحسب الشروط التي وضعتها الحركة وتقضي بإنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.
ووفق غانتس فإن الجيش يواصل تفكيك قدرات “حماس” العسكرية والسلطوية وتحقيق الأمن لسكان الشمال. وعلى رغم أنه لم يناقش خطته مع الإدارة الأميركية، مثلما فعل نتنياهو، فإنه حرص على أن تسهم في تخفيف الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن من داخل الولايات المتحدة وخارجها إزاء موقف بلاده من دعم إسرائيل.
وشملت الخطة ما طرحه الرئيس بايدن لما بعد حرب غزة: تطبيع للعلاقات مع السعودية بعد أن تتعهد إسرائيل بموقف واضح يقضي بإقامة دولة فلسطينية، وكذلك الاتفاق حول الجهات الممولة لإعادة إعمار غزة.
ومطلب الخطة هو إقامة منطقة عازلة في القطاع بعمق ألف وحتى ألف و200 متر، وأن تحتفظ إسرائيل بحرية العمل للدفاع عن أمنها من خلال عمليات عسكرية واستخباراتية داخل القطاع.
أما على الجبهة الشمالية فيرى غانتس وإيزنكوت أهمية قصوى للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع “حزب الله” يقضي بإبعاد مقاتليه عن الحدود.
وخلافاً لنتنياهو، أشار غانتس في خطته إلى السيناريو الأخطر، وهو عدم نجاح أية خطة، واستئناف الحرب في جميع الجبهات، ودعا الجيش إلى الاستعداد لسيناريو كهذا.
غانتس، الذي لم يتحدث مباشرة عن خطته، أعلن موقفاً واضحاً بالنسبة إلى رفح، حين قال “عملية واسعة في رفح ليست تحت علامة استفهام. إنها عملية مهمة وضرورية”. وبحسبه فإن الجيش الإسرائيلي “ملزم بمواصلة القتال لكي نزيل تهديد (حماس)، ومن أجل إعادة 134 مخطوفاً آخرين”.