الشرق اليوم– على مدى السنوات الثلاث الماضية ظلت المخاوف في شأن عمر الرئيس الأميركي جو بايدن موضوعاً متكرراً بسبب مقاطع فيديو تظهر الرئيس ضعيفاً أو متعثراً في أماكن مختلفة، وهو ما دفع غالبية الناخبين للتعبير عن قلقهم في شأن لياقته العقلية والبدنية مع سعيه إلى البقاء في البيت الأبيض حتى يبلغ من العمر 86 سنة، لكن التقرير الذي أصدره المدعي الخاص روبرت هور حول الوثائق السرية التي كانت بحوزة بايدن، كان أسوأ ضربة على الإطلاق لأنه شكل ضرراً سياسياً للرئيس الديمقراطي قد يمتد أثره إلى مدى بعيد، بخاصة وصف “هور” بصورة رسمية حالات عدة يعاني فيها الرئيس فقدان الذاكرة بما يشكل أخطاراً جسيمة على الأمن القومي للولايات المتحدة.
زلات بايدن مع تقرير هور دفع عدداً من الجمهوريين في الكونغرس إلى المطالبة بتفعيل التعديل الـ25 من الدستور لإزاحة الرئيس من منصبه، فما هو هذا التعديل؟ وهل تنجح المحاولة؟
لحظة مظلمة
يبدو أن الرئيس بايدن يمر بواحدة من أحلك اللحظات ظلمة في تاريخ رئاسته، فعلى رغم أن عمره كان مصدر قلق خاص عديداً من الديمقراطيين وشكل عائقاً أمام تقدم حظوظه الانتخابية في استطلاعات الرأي، فإن هذه المخاوف انتشرت بصورة غير مسبوقة عقب نشر تقرير المدعي الخاص روبرت هور المكون من 345 صفحة حول احتفاظ بايدن بوثائق سرية، والذي تضمن فقرات شديدة الضرر حول ذاكرة الرئيس وسجلت بصورة رسمية خلال المقابلات مع المحققين في الخريف الماضي على أنها ضعيفة وتشكل خطراً على الأمن القومي للبلاد.
ويكمن الخوف على البيت الأبيض وحملة إعادة انتخاب بايدن في أن التقرير سيعزز الشكوك بين مجموعات كبيرة من الناخبين حول قدرات الرئيس البالغ من العمر 81 سنة في وقت يسعى فيه إلى الفوز بولاية ثانية في مواجهة المرشح الجمهوري المحتمل الرئيس السابق دونالد ترمب.
ولا يبدو أن محاولات تخفيف الضرر بالرئيس كانت فاعلة، إذ أصيب المسؤولون في البيت الأبيض بالصدمة وهم يتسابقون لاحتواء تداعيات تقرير هور الذي عينه الرئيس السابق دونالد ترمب ليكون المدعي العام الأميركي في ولاية ماريلاند خلال فترة رئاسته، قبل أن يعينه المدعي العام الحالي ميريك غارلاند للإشراف على قضية وثائق بايدن.
ولم يفلح اتهام هور بأن له دوافع سياسية أو أنه تجاوز المهمة المنوط بها حول الوثائق السرية عبر وصفه بايدن بأنه غير قادر على تذكر فترة رئاسته كنائب للرئيس أو يوم وفاة نجله بو بايدن.
وما زاد الطين بلة أن بايدن الذي تحدث بغضب للصحافيين عقب نشر التقرير مباشرة مساء الخميس محاولاً تخفيف وطأة الصدمة وإثبات أن ذاكرته جيدة، بحسب ما قال، خلط بين الرئيسين المصري والمكسيكي، مما أكد الاعتقاد أنه يعاني مشكلة متفاقمة، خصوصاً أنه أخطأ خلال الأسبوع نفسه ونطق أسماء قادة عالميين راحلين تولوا السلطة في ثمانينيات القرن الماضي مثل الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران والمستشار الألماني الراحل هلموت كول بدلاً من يذكر أسماء القادة الحاليين للبلدين اللذين التقاهما وهما إيمانويل ماكرون وأولاف شولتز.
قلق بين الديمقراطيين
كان بعض الديمقراطيين داخل وخارج الدائرة المقربة من بايدن قلقين بصورة خاصة في شأن الخطوة التالية لحملته الانتخابية، وأشار مستشارون وخبراء في الانتخابات إلى أنهم في حاجة إلى إيجاد طريقة للتغلب على هذا الأمر وتحويله من سلبي إلى إيجابي لأنه لن يختفي. كما حذر المقال الافتتاحي لصحيفة “نيويورك تايمز” حلفاء بايدن من العمل وفقاً لقواعد اللعبة المعتادة في واشنطن المتمثلة في رفض تقرير المدعي الخاص باعتباره حزبياً، مشيرة إلى أن التفاصيل التي قدمها تعكس المخاوف التي كانت لدى الناخبين بالفعل، وأنه يتعين على الرئيس طمأنة الجمهور وبناء الثقة معه من خلال عقد مزيد من الاجتماعات العامة والظهور على التلفزيون الوطني، وعقد مؤتمرات صحافية منتظمة لإثبات قيادته واتجاهه لقيادة البلاد.
ويشعر بعض الديمقراطيين بأن الجمع بين عمر الرئيس بايدن وغيابه عن المسرح العام أدى إلى تآكل ثقة الجمهور، وبدا بايدن كما لو كان مختبئاً، أو ما هو أسوأ من ذلك، ولن تؤدي التفاصيل الواردة في تقرير هور إلا إلى تفاقم المخاوف، التي تستغلها حملة ترمب بالفعل.
وقال عضو مجلس النواب عن ولاية مينيسوتا، دين فيليبس، الذي يخوض منافسة طويلة كمرشح رئاسي في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية يركز فيها على عمر الرئيس الحالي، إنه سمع بعض زملائه الديمقراطيين الذين استيقظوا من الوهم الذي يروج له أشخاص لا يضعون مصالح الأمة في الاعتبار.
وعلى رغم استطلاعات الرأي المثيرة للقلق والمخاوف في شأن عمره، فإن بايدن لا يفكر في التخلي عن إعادة انتخابه، بحسب المطلعين على تفكيره، بينما لا تشير الحملة والبيت الأبيض إلى استراتيجية جديدة، بل يخططون لمواصلة البحث عن طرق للتناقض مع ترمب البالغ من العمر 77 سنة، والذي ارتكب أيضاً أخطاء واضحة مثل الإشارة أخيراً إلى منافسته في الحزب الجمهوري نيكي هايلي بدلاً من رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي أثناء حديثه عن هجوم السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 على مبنى الكابيتول الأميركي.
هجوم مضاد
لم يفوت الجمهوريون الفرصة وبدأوا في استخدام تقرير هور لمهاجمة بايدن على الفور، وذهب بعضهم إلى أبعد من الاستنتاجات الفعلية للمدعي الخاص، فقال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو على وسائل التواصل الاجتماعي إن المدعي الخاص قرر عدم توجيه اتهامات ضد بايدن لأنه يعتقد أنه مصاب بالخرف المرتبط بالعمر. كما قالت العضوة الجمهورية في مجلس النواب الأميركي كلوديا تيني في رسالة إلى المدعي العام إن لديها مخاوف خطرة في شأن بايدن، ودعته إلى تفعيل التعديل الـ25 لإقالة الرئيس من منصبه بعد التقرير والتي وصف فيها ممارسات الرئيس بأنها شكلت أخطار جسيمة على الأمن القومي.
وقارنت تيني قرار هور في تحقيقه في شأن بايدن وقرار المدعي الخاص جاك سميث الذي وجه اتهامات إلى ترمب في قضية الوثائق السرية، وقالت إن وزارة العدل لا يمكنها من الناحية الأخلاقية توجيه اتهامات ضد الرئيس الجمهوري السابق لأنه يتمتع بحدة عقلية وشخصية قوية بينما ترفض توجيه اتهامات ضد بايدن بسبب تدهوره المعرفي. وطالبت بتوجيه الاتهام إلى الرئيس بايدن، أو عزله باستخدام التعديل الـ25 لأنه لا يوجد حل وسط.
ما التعديل الدستوري الـ25؟
أصبح التعديل الـ25 مرة أخرى موضوعاً للمناقشة بعد تقرير هور الذي رسم صورة لبايدن كرجل كبير السن يعاني مشكلات في الذاكرة وتضاؤل القدرات، وأدى هذا إلى مناقشة التعديل بين الحزب الجمهوري، ودعا ممثلون، بمن فيهم رئيس مجلس النواب مايك جونسون، ومارجوري تايلور غرين، والسيناتور ريك سكوت، إلى عزل بايدن بموجب البند الرابع من التعديل الـ25، والذي لم يتم تنفيذه من قبل في تاريخ الولايات المتحدة على رغم أنه نوقش خلال رئاسة ترمب وقبل ذلك خلال علاج الرئيس السابق رونالد ريغان عام 1981.
ويتناول التعديل ما يحدث إذا توفي رئيس أو نائب رئيس الولايات المتحدة أو استقال أو أصبح عاجزاً أو غير قادر على أداء واجباته الرئاسية، وجاء التعديل كنتيجة مباشرة لاغتيال الرئيس جون كينيدي، إذ أدى الارتباك حول ما إذا كان نائب الرئيس ليندون غونسون قتل بالرصاص في ذلك الوقت إلى تساؤلات حول خلافة المنصب الرئاسي، وأقره الكونغرس في السادس من يوليو (تموز) 1965، وصدقت عليها الولايات الأميركية في الـ10 من فبراير (شباط) 1967.
وأضفى التعديل طابعاً رسمياً على ممارسة نائب الرئيس لتولي المنصب الرئاسي في حالة وفاة الرئيس أو استقالته، ويمنح الرئيس والكونغرس سلطة استبدال نائب الرئيس.
من يمكنه تفعيل التعديل الـ25؟
يتطلب تفعيل التعديل الـ25 الذي جرى إقراره قبل أكثر من 50 عاماً بهدف إيجاد طريقة لتنحية رئيس غير قادر على القيام بعمله، بضع خطوات للحصول على موافقة أطراف متعددة، لكن نائب الرئيس هو المنطلق الأساس لتفعيل التعديل وتحديداً القسم الرابع منه، إذ يجب على نائب الرئيس بالاشتراك مع غالبية مجلس الوزراء الرئاسي أو هيئة محددة يعينها الكونغرس، استدعاء التعديل.
ويتولى نائب الرئيس مهامه بمجرد أن تقدم هذه الأطراف إعلاناً رسمياً مكتوباً إلى الكونغرس، ولكن إذا دحض الرئيس ذلك الإعلان، يمكنه العودة للسلطة لمدة أربعة أيام، وفي هذه الأثناء يمكن للأطراف الأخرى تقديم إعلان يتذرع بإقالة الرئيس مرة أخرى، إذا حدث ذلك، يتولى نائب الرئيس منصبه مرة أخرى ويجب على الكونغرس الحصول على غالبية الثلثين في كل من مجلسي النواب والشيوخ في غضون 21 يوماً لإقالة الرئيس بصورة دائمة.
كيف يعمل التعديل الـ25؟
يحتوي التعديل الـ25 على أربعة أقسام يمكن تطبيقها على مواقف مختلفة تؤدي إلى إخلاء منصب الرئيس أو نائب الرئيس أو إجباره على ترك منصبه، وفي حالة عزل الرئيس بسبب عدم القدرة على أداء مهامه، فإن البند الرابع من التعديل هو الذي ينطبق على وجه التحديد.
وينص البند الرابع على أنه إذا شعر نائب الرئيس وغالبية مجلس الوزراء الرئاسي أو هيئة المراجعة المعينة من قبل الكونغرس، أن الرئيس لم يعد قادراً على أداء واجباته، فيمكنهم تقديم هذا الاعتقاد كتابياً إلى الكونغرس، مما يؤدي إلى استبدال الرئيس، لكن يمكن للرئيس أن يقدم إعلاناً بخلاف ذلك ويطرح الأمر للتصويت في الكونغرس.
ويعد البند الرابع هو الأكثر إثارة للجدل ولم يتم استخدامه بنجاح بعد، وكان أقرب استخدام فعلي على الإطلاق خلال رئاسة رونالد ريغان، عندما كان يخضع لعملية جراحية بعد إطلاق النار عليه في مارس (آذار) 1981، وأعدت إدارته الأوراق اللازمة لجعل نائب الرئيس جورج أتش دبليو بوش يتولى مهام منصبه، لكن لم يتم التوقيع عليه قط. كما اقترح عديد من أعضاء فريق ريغان ذلك مرة أخرى في عام 1987، بحجة أن الرئيس كان غير قادر من الناحية العقلية على ممارسة مهامه الرئاسية بصورة سليمة، لكن رئيس موظفي البيت الأبيض اعترض ولم تتم متابعة هذا الاقتراح.
وينص البند الأول من التعديل الـ25 على أنه في حالة عزل الرئيس من منصبه أو وفاته أو استقالته، يتولى نائب الرئيس منصب الرئيس، وينص البند الثاني على أنه كلما كان هناك منصب شاغر في منصب نائب الرئيس، يرشح الرئيس نائباً للرئيس يتولى منصبه بعد تأكيد تعيينه بغالبية أصوات مجلسي الكونغرس، أما البند الثالث فينص على أنه عندما يرسل الرئيس إلى الرئيس الموقت لمجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب إعلانه الكتابي بأنه غير قادر على القيام بسلطات وواجبات منصبه، وحتى يرسل إليهما إعلاناً مكتوباً بخلاف ذلك، يمارس نائب الرئيس هذه الصلاحيات والواجبات بصفته رئيساً بالنيابة.
البند الرابع
ينص البند الرابع على أنه عندما يرسل نائب الرئيس وغالبية المسؤولين الرئيسين في الوزارات التنفيذية أو أي هيئة أخرى يحددها الكونغرس بموجب قانون، إلى الرئيس الموقت لمجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب إعلانهم المكتوب بأن إذا كان الرئيس غير قادر على القيام بسلطات وواجبات منصبه، يتولى نائب الرئيس على الفور صلاحيات وواجبات منصبه كرئيس بالنيابة، لكن إذا أرسل الرئيس إلى الرئيس الموقت لمجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب إعلانه الكتابي بعدم وجود عجز، فإنه يستأنف صلاحيات وواجبات منصبه ما لم يرسل نائب الرئيس وغالبية أي من المجلسين أو أي هيئة أخرى قد ينص عليها الكونغرس بقانون، في غضون أربعة أيام إلى الرئيس الموقت لمجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب إعلانهم الكتابي بأن الرئيس غير قادر على القيام بسلطاته ومهام مكتبه.
وبناءً على ذلك، يجب على الكونغرس أن يقرر هذه المسألة، وينعقد في غضون 48 ساعة لهذا الغرض إذا لم يكن منعقداً، وإذا قرر الكونغرس، في غضون 21 يوماً بعد تسلم الإعلان المكتوب الأخير، بغالبية ثلثي أصوات كلا المجلسين أن الرئيس إذا كان غير قادر على القيام بسلطات وواجبات منصبه، يستمر نائب الرئيس في أداء نفس مهام الرئيس بالنيابة وبخلاف ذلك، يستأنف الرئيس صلاحيات وواجبات منصبه.
هل يعزل بايدن؟
وفقاً لمتطلبات الدستور لا يمتلك الجمهوريون غالبية الثلثين في مجلسي الشيوخ والنواب، مما يعني أن تصورات حول إقالة بايدن غير واقعية، كما أن نائبة بايدن كامالا هاريس لن تقود هذا التحرك بحسب دفاعها الشرس عن بايدن، وحتى لو فعلت ذلك، فسيكون من الصعب أن تجمع نصف أعضاء المجلس الوزاري الرئاسي.
ومع ذلك، يظل هذا السيناريو وارداً فقط في حالة تدهور الصحة العقلية أو البدنية للرئيس بايدن إلى درجة خطرة لا يتحملها أحد، وهو ما لا تبدو له مؤشرات قوية على الأرض بينما يستعد الجميع للانتخابات المقبلة.
المصدر: اندبندنت