الرئيسية / مقالات رأي / النظام الدولي الذي كان

النظام الدولي الذي كان

الشرق اليوم- بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وتفكك المنظومة الاشتراكية وانتهاء الصراع الأيديولوجي بين الشيوعية والرأسمالية، أعلنت الولايات المتحدة انتصارها وفرضت نفسها قائدة وحيدة للنظام الدولي الجديد بديلاً للقطبية الثنائية. يومها طرح المفكر الأمريكي فوكوياما كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» عام 1992، معلناً انتصار الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية وقيمها في الحرية والمساواة والفردية، باعتبارها التطور الأيديولوجي للإنسان ولا وجود لبديل أفضل، من دون القبول بأن العالم متغير، وأن الثبات مسألة مستحيلة في مجرى التطور الإنساني والعلاقات الدولية.

وقد سعت الولايات المتحدة، منذ ذلك الحين، إلى تكريس هذا المفهوم، من خلال جعل النظام الدولي نظاماً أمريكياً تفرضه على العالم تحت مسمى «النظام القائم على القواعد»، دون توضيح هذه القواعد أو تحديدها، وجعلت منه مسألة صراع من أجل البقاء، وإلغاء كل القوى العالمية الأخرى، وإخضاعها للنظام الذي تريده وفق استراتيجيتها الكونية.

على مدى أكثر من ثلاثة عقود، مارست الولايات المتحدة، في ظل نظامها الجديد، شتى أشكال الهيمنة والحروب العسكرية والسياسية والاقتصادية، من غزو وحصار وازدواجية في المعايير والضغوط والعقوبات، وفرض لقوانينها باعتبارها قوانين دولية، من دون اكتراث بقوى عالمية بازغة أخرى، مثل الصين وروسيا ومجموعة «البريكس» وغيرها، فتحاول أن تحتل موقعها ودورها في العالم من خلال ما تمتلكه من قدرات اقتصادية وسياسية وعسكرية مهمة، وذلك في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تشهد انحداراً في دورها وقوتها، وفي سعيها لإدارة شؤون العالم.

لقد أثبت النظام الدولي الأمريكي «القائم على القواعد» فشله في التعامل مع التحديات الدولية، كما أثبت أن الولايات المتحدة غير قادرة وحدها، ومن خلال نظامها، على أن تتخلى عن نهج تأجيج الصراعات، وإطلاق حقبة من التعاون من أجل السلام والازدهار.

لقد فشلت الولايات المتحدة في أن تكون دولة تحترم القوانين الدولية وحقوق الإنسان وسيادة الدول، وأخفقت في قيام علاقات دولية قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأغرقت العالم ببؤر التوتر والحروب بالوكالة، من أجل ترسيخ هيمنتها الجيوسياسية على العالم، والإيحاء أن قوتها مطلقة.

لقد قدمت الولايات المتحدة نفسها للعالم نموذجاً فاشلاً، وكشفت أجندتها للهيمنة ونموذجها الليبرالي المتوحش عن أسوأ نماذج الأنظمة الأحادية في سعيها ل«اغتصاب» نظام عالمي يقوم على التفرد.

لم يعد بمقدور الولايات المتحدة إقصاء أحد عن أن يأخذ دوره في نظام دولي جديد يقوم على العدالة والمساواة، ويلتزم بالمواثيق الدولية وشريعة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، كما ليس بمقدور الولايات المتحدة المضي في معاندة حركة التاريخ، ووقف تطور الدول الأخرى في صعودها الهادئ، ولكن القوي، لتبوء بمكانها الذي تستحقه في النظام الدولي الجديد الذي يجب أن يرتكز إلى مبادئ الأمم المتحدة وميثاقها وكل أُطرها الشرعية، وليس على نظام «قائم على القواعد» الأمريكية.

تستطيع الولايات المتحدة تأخير ولادة النظام الدولي الجديد المتعدد الأقطاب، لكنها لن تتمكن من منع ولادته.

قد يحتاج ذلك إلى مخاض عسير، ومزيد من الحروب والدماء؛ لأن الولايات المتحدة وطبيعة نظامها لا يقبلان الهزيمة بسهولة.. لكنه حتمي.

المصدر: صحيفة الخليج

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …