بقلم: د. ثامر محمود العاني – صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم- إن السوق الخليجية المشتركة لها أهداف سياسية واقتصادية، حيث تضمن انسياب السلع بين دول الخليج، بما يؤدي إلى زيادة التنافس بين المؤسسات الخليجية لصالح المستهلك، فضلاً عن الإسهام في تحقيق الاستقرار السياسي، ودفع عجلة التعاون العسكري والسياسي بين دول المجلس أسوة بالتعاون الاقتصادي؛ إذ إن عناصر إنشاء دول التعاون الخليجي كياناً اقتصادياً فعالاً متوفرة، نظراً إلى الكتلة الاقتصادية الخليجية. فالعوامل المشجعة للعمل بوصفها كتلة اقتصادية هي أكثر حظاً منها مقارنة بتلك التي تجعلها تعمل باعتبارها كيانات مستقلة دون تنسيق بينها؛ إذ إن القرب الجغرافي ميزة جاذبة لهذا التكتل الاقتصادي؛ نظراً لقرب موارد الإنتاج المغذية للصناعات القائمة بينها. كما أن تشابه العادات والتقاليد يفرز عادة تشريعات وقوانين مشابهة، مما يسهل عملية ضمها في قوانين موحدة.
وقد ناقشت القمة الخليجية الـ44 الملفات الاقتصادية المعروضة، حيث ناقش القادة الخليجيون في قمتهم ملفات اقتصادية بارزة، من بينها ملف استكمال خطوات قيام الاتحاد الجمركي قبل نهاية عام 2024، ومشروع السكة الحديدية بين الدول الأعضاء، واعتماد مشروع التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة. ويعد الاتحاد الجمركي الخليجي من وسائل توحيد الأنظمة والإجراءات الجمركية والأسس التي تعمل إدارات الجمارك في الدول الأعضاء على إنجازها منذ سنوات. وخلال اجتماع لجنة التعاون المالي والاقتصادي، جرى اتخاذ عدة قوانين وقرارات تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي في المنطقة الخليجية، وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية عام 2025، وبعدها المباشرة بالعمل على إصدار العملة الخليجية الموحدة.
واعتمدت القمة الجدول الزمني لاستكمال الاتحاد الجمركي قبل نهاية عام 2024، ووضع الخطة التنفيذية لذلك، والموافقة على الخطوات المتبقية لاستكمال مسارات السوق الخليجية المشتركة عام 2025، وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية. ويقوم الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة المنشودة لدول المجلس على عدة أسس؛ أبرزها تعرفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي، ونظام قانون جمركي موحد، وتوحيد النظم والإجراءات الجمركية والمالية والإدارية الداخلية المتعلقة بالاستيراد والتصدير وإعادة التصدير في دول المجلس. وتشمل أيضاً انتقال السلع بين دول المجلس دون قيود جمركية أو غير جمركية، ومعاملة السلع المنتجة في أيٍّ من دول المجلس معاملة المنتجات الوطنية.
ومن الملفات المهمة أمام القمة الخليجية، مشروع القطار الخليجي الذي أقرته القمة الخليجية عام 2003، عندما كلَّف قادة الدول الست لجنةَ وزراء النقل والمواصلات بإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع السكة الحديدية المشتركة باسم قطار الخليج، وجرى إقرار العمل به في قمة عام 2009. ويشمل المشروع في مرحلته الأولى ربط الإمارات والسعودية وسلطنة عمان، في حين ستشهد المرحلة الثانية ربط البحرين والسعودية والكويت.
وخلال اجتماع وزراء النقل والمواصلات بدول مجلس التعاون، جرى اعتماد البرنامج الزمني للمرحلة التأسيسية للهيئة الخليجية للسكك الحديدية في حدود عام 2030؛ إذ إن الجهود مستمرة لدول المجلس في إنجاز هذه المهمة الكبيرة، حيث إن الدول الست ماضية في جهودها لاستكمال مراحل إنجاز الربط بينها بالسكك الحديدية؛ إذ إن المشروع يمثل نقلة نوعية في الترابط والتكامل الخليجي المشترك.
وضمن متابعة الاستراتيجية الخليجية السياحية المشتركة 2023 – 2030، تمت مناقشة ملف التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة، لمتابعة تنفيذ الاستراتيجية التي أُقرَّت في القمة السابقة. وسبق أن اعتُمدت التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة خلال اجتماع وزراء السياحة الخليجيين السابع، الذي اعتمده أيضاً وزراء الداخلية في دول مجلس التعاون، حيث يبدأ التنفيذ مع بداية عام 2025، كما تم الموافقة على تنفيذ وتشغيل مشروع السكة الحديدية بين الدول الأعضاء في ديسمبر (كانون الأول) 2030.
وعلى الرغم من أن التشابه بين دول الخليج ينصب أساساً في إنتاج وتصدير النفط، فإن معظم الصادرات النفطية موجهة إلى الخارج، ولا يوجد تنافس بين دول المجلس في بيع تلك المنتجات داخل منظومة المجلس نفسها، وذلك نظراً إلى الاكتفاء الذاتي لمعظم دولها؛ إذ إن دول المجلس أعطت الأولوية لاستيراد احتياجاتها من الطاقة من داخل دول المجلس، فهناك تبادل تجاري للنفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات البتروكيميائية.
من الجدير بالإشارة، أهمية دور القطاع الخاص في تسريع وتيرة اندماج الاقتصاد الخليجي، على اعتباره المحرك النشط للتبادل التجاري بين دول المجلس، ومساهمة القطاع الخاص الخليجي بشكل أكبر في الناتج المحلي، وزيادة قدرته على الابتكار، خاصة في إحلال الواردات وإنتاج سلع قابلة للتنافس في السوق العالمية.
وفي الختام، سرّعت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من وتيرة التنسيق بين الجهات المعنية ذات الصلة، بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود، وإعلان وحدة اقتصادية خليجية بحلول عام 2025؛ إذ انطلقت دول المجلس في الانتهاء من منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي، والآن تمر بمرحلة السوق الخليجية المشتركة تمهيداً للوصول إلى الوحدة الاقتصادية عام 2025. وكان التكامل الاقتصادي الخليجي بدأ بشكل مركّز منذ عام 2001، والآن ما زالت الجهود منصبّة نحو تحقيق أهم خطوات التكامل، وهو إصدار العملة الخليجية الموحدة.