بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- قبل أيام من الانتخابات التشريعية في باكستان، يحتدم التوتر السياسي في البلاد مع حكمين بالسجن على زعيم “حركة إنصاف” رئيس الوزراء السابق عمران خان، بتهمتي إفشاء أسرار الدولة والفساد. ليس بخافٍ أنّ خان نزيل سجن أديالا في روالبندي، أقرب المدن إلى إسلام آباد هو الأكثر شعبية في البلاد، لكن المحكمة حظّرت ترشحه ومنعته من ممارسة العمل السياسي لمدة 5 أعوام.
ويُتهم نجم الكريكيت السابق، الجيش بالوقوف خلف كل متاعبه السياسية، التي بلغت درجة استقدام رئيس الوزراء السابق نواز شريف من المنفى في لندن، كي يخوض بحزبه “الرابطة الإسلامية” الانتخابات في وجه “حركة إنصاف”. ويعود أصل المشكلة بين خان والجيش إلى عام 2022، عندما اتهم رئيس الوزراء آنذاك المؤسسة العسكرية بالتآمر عليه مع واشنطن لإزاحته من السلطة، بسبب العلاقات الودية التي كانت تربطه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويُذكر أنّ خان كان آخر زعيم أجنبي يزور الكرملين عشية شن الغزو الروسي على أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022.
ويعتقد خان أنّه دفع ثمن انفتاحه على موسكو في وقت حرج بالنسبة إلى واشنطن التي أرادت إيقاع بوتين في عزلة سياسية واقتصادية بعد الغزو، فأوعزت إلى أحزاب مؤتلفة مع حكومة خان للخروج منها، وهكذا سقطت في تصويت على حجب الثقة، وجيء بشهباز شريف لترؤسها، قبل أن يترأسها أنوار الحق كاكار كرئيس وزراء موقت، ريثما تجري الانتخابات في 8 شباط (فبراير) الجاري بعد إرجائها أكثر من مرّة.
وتعرّض خان لمحاولة اغتيال قبل أن يُعتقل بتهم مختلفة، ومن ثم يُدان في وقت سابق من هذا الأسبوع. وفي ظلّ هذه الأجواء المتشنجة، يذهب الباكستانيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد للوزراء، في جمهورية لا يزال الجيش يدير من الخلف اللعبة السياسية ويتحكّم بمفاصل الدولة، بعدما كان حَكمَ بطريقة مباشرة أكثر من نصف تاريخ البلاد منذ استقلالها عام 1947.
وهذه حقيقة يعرفها القاصي والداني. وعندما يتراءى للقيادة السياسية أنّها قادرة على الخروج عن رأي المؤسسة العسكرية، تبدأ المتاعب بالتشكل والنتيجة محسومة لمن الغلبة.
وربما اعتقد خان في لحظة من اللحظات أنّ الشعبية التي يتمتع بها يمكن أن تحميه من العسكريين، وأنّه سيكون رقماً صعباً لا يمكن كسره، ليتبين خطأ رهاناته. فكيف إذا ما التقت مصلحة الجيش مع المصلحة الأميركية في إزاحته عن المشهد السياسي.
وهذا نواز شريف العائد اليوم بمباركة الجيش، لم يكمل أياً من ولاياته الثلاث في رئاسة الوزراء بسبب المشاكل التي كانت تنشب بينه وبين الجنرالات، لكن الفارق بينه وبين خان، انّه كان ينسحب بهدوء إلى منفاه، من دون الذهاب في المواجهة مع المؤسسة العسكرية حتى النهاية.
هذه هي الدروس المستقاة من تجارب الحكم في بلدٍ، كان منذ نشأته محل تنافس بين القوى العظمى، أميركا وروسيا والصين. ومع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها الدولة، فإنّ أي حاكم يحتاج إلى مراضاة واشنطن من أجل عدم تعقيد القروض التي تطمح إليها باكستان من المؤسسات المالية العالمية التي تتحكّم بها الولايات المتحدة إلى حدّ كبير.
باكستان، الدولة النووية التي يبلغ عدد سكانها 240 مليون نسمة، وفيها الكثير من التنظيمات المتطرّفة التي تناوئ الحكومة، تعاني من توترها التاريخي مع جارتها الهند، وحديثاً مع أفغانستان منذ عودة حركة طالبان هناك إلى السلطة عام 2021، وأخيراً نشب التوتر مع إيران مع تبادل الضربات الصاروخية في اقليم سيستان-بلوشستان.
في خضم كل هذه التوترات، يذهب الباكستانيون إلى الاقتراع لاختيار رئيس للوزراء، كي يحمل كرة النار وليس لينعم بالحكم وهو هانئ البال.