الرئيسية / مقالات رأي / إسرائيل.. عواصف وأزمات

إسرائيل.. عواصف وأزمات

بقلم: محمود حسونة – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- مرت أربعة أشهر على اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، الحرب الأطول والأشرس التي تخوضها إسرائيل، الكاشفة لطموحها في المنطقة الذي يتجاوز العيش الآمن لمواطنيها وتحقيق السلام مع جيرانها، إلى التوسع، وهو ما يستلزم حروباً وتهجيراً قسرياً وتوسعاً استيطانياً وتشكيكاً في إنسانية الفلسطينيين والمجاورين وإشعالاً للمنطقة وقضماً لأراضي الغير وانتهاكاً للقوانين الدولية والإنسانية وإشهاراً لسلاح «معاداة السامية» في وجه كل من ينتقد التوحش في استعمال القوة وارتكاب جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما كشفت عنه بوضوح تصريحات الحكومة الإسرائيلية بمختلف مكوناتها، وساسة وبرلمانيين ومحللين إسرائيليين قبل الحرب وخلالها.

بعض حلفاء إسرائيل غيّروا مواقفهم سواءً نتيجة ضغوط الرأي العام في بلادهم، أو نتيجة الجرائم اليومية التي يرتكبها جيش الاحتلال في حق الأطفال والنساء والشيوخ، أو نتيجة مواقف منظمات أممية وإنسانية تفضح من يوم لآخر بعضاً من أوجه قبح القوة الإسرائيلية في غزة، وبعض الحلفاء لا يزالون على موقفهم المؤيد لإسرائيل والداعم لها بالسلاح والمال ودبلوماسية التزييف وإعلام الأكاذيب.

العالم بأكمله يرى الحل في إقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام بجوار إسرائيل، وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل جملةً وتفصيلاً، رغم توقيعها على اتفاقيات سلام مع الجانب الفلسطيني ومع دول عربية تنص على العمل على إقامة الدولة الفلسطينية، ولعل من أسباب رفضها وقف إطلاق النار الخوف من الضغوط التي يمكن أن تُمارس عليها للبدء في مفاوضات إقامة دولة فلسطينية بعد انتهاء الحرب.

لا يخفى على أحد أن الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق أي من أهداف الحرب التي تم الإعلان عنها في بدايتها والتي لا تزال ترددها ألسنة المسؤولين حتى اليوم، لكنه نجح في تدمير قطاع غزة وإبادة جانب من أهله وإجبار سكانه على الهجرة القسرية من منازلهم إلى مناطق أخرى فاقدة الأمان مثل كل شبر من القطاع المنكوب.

أربعة أشهر ولم يتم تحرير ولو واحد من المختطفين باستثناء من تم تحريرهم طواعية خلال الهدنة، أربعة أشهر ولا تزال الصواريخ تنطلق على غلاف غزة وتل أبيب وبئر السبع وغيرها، ورغم ذلك فإن المسؤولين الإسرائيليين لايزالون يتحدثون

عن تحرير المختطفين وعن القضاء على «حماس» وآخرهم يوآف جالانت وزير الدفاع الذي صرح بذلك قبل أيام، ولم يكتف بالكذب على نفسه بهذين الهدفين، بل أضاف لهما هدفاً ثالثاً هو الحفاظ على وحدة الشعب الإسرائيلي، وهو الأكثر علماً بأن الشعب الإسرائيلي لم يكن مفتتاً خلال تاريخه مثلما هو مفتت اليوم.

انقسامات بشأن الحرب وتحرير المختطفين وتأثيرات الحرب الاقتصادية وحالة الجنود النفسية ورفض العديد من الجنود المشاركة في الحرب وتفضيلهم السجن، والأمر نفسه ينطبق على الحكومة المنقسمة على بعضها، وجالانت نفسه على خلاف كبير مع نتنياهو وكاد أن يشتبك معه بالأيدي في مكتبه، ورفض كلاهما عدة مرات الظهور سوياً في مؤتمرات صحفية.. خلافات يراها العالم كله وانقسامات تهدد البنيان الديمغرافي ثم يتحدث وزير الدفاع عن الحفاظ على وحدة الشعب، ولكن يبدو أنه يتحدث عن شعب غزة الموحد ضد العدوان الصامد في وجه آلات القتل والتخريب والتدمير.

الحكومة الإسرائيلية ترفض إقامة دولة فلسطينية وتتخبط بشأن مستقبل قطاع غزة، ولا ترى في الأفق حدوداً لمستقبل حرب الإبادة التي تشنها على القطاع. تصريحات بشأن شريط عازل يتم اقتطاعه من القطاع، وتصريحات بشأن مستقبل محور فيلادلفيا من شأنها أن تشعل أزمة بين مصر وإسرائيل غير محمودة العواقب على السلام، وتصريحات بشأن مستقبل الحكم في غزة، ووعود باحتلال القطاع والسيطرة عليه واختيار قيادة على المقاس الإسرائيلي لإدارته، ووعود بترك القطاع لأهله بعد القضاء على «حماس»، ومؤتمرات تناقش خططاً استيطانية جديدة في القطاع، وآخرها الأسبوع الماضي حيث انعقد مؤتمر «العودة إلى غزة» (عودة الاستيطان) في القدس، وشارك فيه 12 وزيراً إسرائيلياً وآلاف الإسرائيليين، الذي أثار خلافات في إسرائيل نفسها بعد سلسلة انتقادات حادة لسياسات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، كما أدى إلى ردود فعل واسعة، حيث انتقده رموز في المعارضة ووصفه زعيمها بأنه «وصمة عار على نتنياهو وحزبه»، في حين قال الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس إن مؤتمر العودة إلى غزة أضر بجهود إعادة المختطفين، كما أضر بشرعية إسرائيل في العالم. وفي المقابل رقص خلاله وزير الأمن القومي بن غفير مع عدد من الحضور فرحاً ب «الإنجاز»، وهو ما يكشف مدى التفتت في الحكومة، فكيف ينعقد مؤتمر بحضور ١٢ وزيراً من دون علم ولا مباركة رئيس الوزراء، وإن كان نتنياهو يعلم فهي مصيبة على المنطقة، وإن كان لا يعلم فإن المصيبة أعظم على الحكومة وعلى مستقبل إسرائيل.

المؤتمر الذي أثار حفيظة حلفاء إسرائيل حيث انتقدته الولايات المتحدة وفرنسا، يؤكد التخبط الإسرائيلي وأن العواصف التي ستخلفها الحرب ستعصف بإسرائيل داخلياً بعد أن عصفت بسمعتها عالمياً، وذلك بعكس الوحدة الوهمية التي يدعي جالانت أنها تحافظ عليها.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …