بقلم: سوسن مهنا- اندبندنت
الشرق اليوم– منذ انطلاق حرب غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تحول الجنوب اللبناني إلى ساحة مصغرة لما سيبدو عليه الوضع على جميع الأراضي اللبنانية في حال اتجهت إسرائيل لإعلان حرب موسعة، بعدما أعلن أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله أن الجبهة الجنوبية هي “جبهة إسناد” للحرب الدائرة في القطاع.
لكن “الحزب” ليس الوحيد الذي أخذ المبادرة في عملية التصعيد جنوباً، إنما تنضم إليه بين الحين والآخر جماعات حزبية موالية له، إضافة إلى بعض التنظيمات الفلسطينية المسلحة. وكان لافتاً في هذا الإطار البيان الذي صدر في الـ14 من يناير (كانون الثاني) الجاري، عن مجموعة أطلقت على نفسها اسم “كتائب العز الإسلامية”، وجاء فيه “تمكنت مجموعة من مجاهدينا من اختراق الشريط الحدودي في مزارع شبعا المحتلة، حيث اشتبكت مع دورية للعدو الصهيوني قرب موقع رويسات العلم من المسافة صفر وحققت فيها إصابات مؤكدة”، وتحدث البيان عن سقوط ثلاثة قتلى للمجموعة صبيحة الجمعة (الـ12 من يناير 2023) “عندما استهدفتهم مسيرة صهيونية قرب موقع المقار في مزارع شبعا المحتلة بعد أن أمضوا فيها 35 ساعة في مهمة استطلاعية”. وأردف البيان أن العملية جاءت تضامناً مع الفلسطينيين ورداً على اغتيال “صالح العاروري وسمير فندي وإخوانهم” في بيروت. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن بدوره أنه “قتل أربعة مسلحين تسللوا من جنوب لبنان باتجاه منطقة جبل دوف” في مزارع شبعا. كما أفادت هيئة البث الإسرائيلية حينها بأنه تم “نقل خمسة جنود إسرائيليين إلى مستشفى رمبام في حيفا، بعد أن أصيبوا بجروح خلال اشتباك مسلح جرى الليلة الماضية (الـ13 من يناير) مع خلية من المقاتلين الذين نجحوا بالتسلل من جنوب لبنان إلى مزارع شبعا”.
“كتائب العز” ليست وحيدة
ليست مجموعة “كتائب العز” الوحيدة التي ظهرت فجأة على الساحة الجنوبية، إذ سبقتها “قوات الفجر”، الجناح العسكري التابع لـ”الجماعة الإسلامية”، التي كانت أعلنت أكثر من مرة في أكتوبر الماضي توجيه ضربة صاروخية استهدفت مواقع إسرائيلية. ويضاف هذا إلى العمليات التي تقوم بها حركات “الجهاد الإسلامي” و”سرايا القدس” و”حماس”، من تسلل وإطلاق صواريخ باتجاه الداخل الإسرائيلي. وهذا كله لا ينفصل عما كان أعلن عنه الحزب “السوري القومي الاجتماعي” في شأن عودته إلى “ساحة المعركة”، وذلك بعيد المناورة العسكرية التي أجراها “حزب الله” نهاية مايو (أيار) 2023، حين نشر “السوري القومي” صوراً وفيديوهات لوفد قيادي تابع له قام بجولة لأحد المواقع العسكرية التابعة لـ”نسور الزوبعة” في الجنوب اللبناني على الحدود مع إسرائيل، حيث كان عميد الإعلام في “السوري القومي” ماهر الدنا قد كشف في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط” عن أن حزبه “أعاد تفعيل العمل العسكري والمقاوم بعدما تم تغييبه من قبل القيادة السابقة ومقايضته بمكاسب سياسية”، متحدثاً عن “غرفة عمليات موحدة للجهد المقاوم، تدير العمل وتنسقه باعتبار أننا و(حزب الله) بنهاية المطاف جسد واحد بمواجهة العدو الإسرائيلي”. بدوره كان حزب “البعث العربي الاشتراكي” فرع لبنان قد أعلن على لسان أمينه العام علي حجازي إطلاق الجناح العسكري تحت اسم “قوات البعث”.
وإلى هذا كانت “حماس” قد أثارت موجة من الاستنكارات بعد إعلانها في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عن فتح باب التطوع للانضمام إلى ما عرفت عنه بـ”طلائع طوفان الأقصى”، وشكل بيانها حينها موجة من القلق فاتحاً الباب على مصراعيه للهواجس والمخاوف من عودة عمل المنظمات الفلسطينية أو ما يعرف بـ”الكفاح المسلح” من على الأراضي اللبنانية، وخصوصاً بعد تشديد بيان الحركة المذكورة على أن خطوتها تأتي “تأكيداً لدور الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة والمشروعة، واستكمالاً لما حققته عملية طوفان الأقصى، وسعياً نحو مشاركة رجالنا وشبابنا في مشروع مقاومة الاحتلال والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلمية والفنية”. وكان ممثل “حماس” في لبنان أحمد عبدالهادي قد صرح بأن “إقبال الشباب دفعنا إلى إطلاق هذا التنظيم لبناء شخصياتهم وطنياً ودينياً”. وإثر الردود المنددة من مختلف الأطراف اللبنانية اضطرت “حماس” إلى التوضيح بأن “طلائع طوفان الأقصى” ليست تنظيماً عسكرياً.
ويحصل هذا كله على مرأى ومسمع السلطات اللبنانية التي لا تحرك ساكناً، تاركة الحدود والبلاد في مهب العواصف الأمنية والسياسية، مع ما يحمله ذلك من خطر تعرض لبنان لاجتياح من قبل إسرائيل، التي لم يتوقف قادة الحرب فيها عن التهديد به.
هل هناك وجود حقيقي لـ”كتائب العز”؟
ولم يصدر عن “حماس” أو “الجهاد الإسلامي” أو “الجماعة الإسلامية في لبنان” ما يشير إلى أن “كتائب العز” تتبع لأي منها، ونقل الإعلام اللبناني أن “حزب الله” واستخبارات الجيش اللبناني يحاولان معرفة من يقف وراءها. وكانت بعض المواقع اللبنانية نقلت عن مصادر قريبة من الحزب تأكيده “عدم معرفة (حزب الله) بهوية هذا الفصيل، فالحزب ليس حرس حدود، وطبيعة التوزيع الديموغرافي للقرى الحدودية في شبعا وكفرشوبا تحديداً تجعله غير قادر على معرفة كل ما يجري في هذه القرى…”. لكن في الوقت عينه من يتجول في الجنوب اللبناني ومناطق سيطرة نفوذ الحزب يعلم جيداً أنه من غير الممكن لأي مواطن لبناني التجول من دون علم الحزب، إذ تنتشر عناصره وإن كانت بلباس مدني، فكيف بعناصر “غريبة” ومسلحة الوصول إلى الحدود من دون إشرافه ومساعدته؟
يشير مصدر لبناني مطلع وقريب من الجانبين الفلسطيني و”حزب الله” إلى “أنه لا يوجد فصيل أو مجموعة باسم (كتائب العز)، مما يعني أنه فصيل وهمي. وحتى الآن لم تذع أسماء من سقط خلال عملية التسلل ومن تقبل التعازي بهم”. ويرى المصدر “أن موضوع إطلاق بيان عما عرف باسم كتائب العز هو سياسي أكثر منه عسكري، بحيث يتوجه الحزب إلى الداخل اللبناني ليقول إن هناك أجساماً حركية جديدة تظهر، وللخارج ليقول إنه من يضبط الساحة ولكن قد تفلت في وقت ما”. ويذكر المصدر عينه أنه في فترة الثمانينيات “كان الحزب متقدماً في عملية خلق (أجسام وهمية)، وكل الأجانب والدبلوماسيين الذين خطفوا أو قتلوا من فرنسيين وأميركيين وروس في تلك المرحلة خطفوا من قبل مجموعات ذات أسماء وهمية، وكان طرف واحد من يقوم بذلك وهو (حزب الله)، وما كان يصح حينها لا يصح في هذا الوقت”.
“حزب الله” يجند ضمن ضوابطه
وكانت بعض المواقع والتقارير الصحافية اللبنانية تحدثت عن تجنيد فئة من الفلسطينيين المقيمين في مخيمات اللجوء للقتال. وعن هذا يقول الكاتب والصحافي المتخصص في الشأن الخليجي والعربي طارق أبو زينب لـ”اندبندنت عربية”، “إنه وبحسب المصادر بالفعل يتم تجهيز عدد من الأفراد والمجموعات داخل مخيمات الشتات للقتال إلى جانب عناصر من (حزب الله) وبغطاء منه، وسط مخاوف لبنانية بتوسع عمل هذه المجموعات الفلسطينية عسكرياً، خصوصاً بعد إعلان كتائب مجهولة لأول مرة تنفيذ عمليات تسلل من الجنوب اللبناني منها (كتائب العز الإسلامية) إلى جانب عديد من القوى التي نفذت عمليات عسكرية في الجنوب اللبناني بقيت سرية لدوافع أمنية”. ويشير أبو زينب إلى حادثة مقتل نائب قائد “القسام” في لبنان، خليل حامد الخراز الذي قضى مع مجموعة إثر غارة إسرائيلية استهدفته في جنوب لبنان وبرفقته أربعة أشخاص من بينهم ثلاثة لبنانيين من طرابلس، لكن المفاجئ كان وجود عنصر “تركي الجنسية معهم”. ويضيف أبو زينب أن “تسريبات إعلامية كانت أشارت إلى أن الآلاف من المتطوعين المقاتلين من لبنان وسوريا جاهزون للتحرك نحو جبهات الجنوب إذا توسعت الحرب وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 1982، وهذا يؤشر إلى أن الأمور قد تخرج عن السيطرة وتؤسس لفوضى شاملة إذا وسعت القوات الإسرائيلية نطاق الحرب في الجنوب اللبناني”. ويسأل الصحافي “أين الحكومة اللبنانية مما يجري، ولمَ لا تتعاطى بجدية مع إمكانية انجرار البلاد إلى صراع إقليمي يدفع لبنان ثمنه فاتورة باهظة الثمن؟”.
ويلفت المصدر المقرب من فلسطينيي مخيم “عين الحلوة” الذي تمنى علينا عدم ذكر اسمه، أنه “ووفقاً لمعلومات الفلسطينيين أن تلك العناصر التي يقوم الحزب بتجنيدها هي على الغالب من الفلسطينيين النازحين من سوريا، لأن فلسطينيي المخيم يعرفون بعضهم بعضاً”. ويضيف أن “الحزب يجند ضمن ضوابط معينة، وتحت إدارته وإشرافه، بحيث إنه هو من يحدد أماكن وجود تلك المجموعات والمدة الزمنية التي يبقون فيها في الجنوب، كما يحدد أيضاً متى يتم إطلاق النار، وأي تصرف يخضع لقرار منه”. ويلفت المصدر إلى أن العناصر الفلسطينية تذهب إلى الجنوب بآليات تابعة لـ”حزب الله” لأن الفلسطيني في حاجة إلى تصريح ليعبر حواجز الجيش اللبناني. ويتابع أنه ووفقاً للفلسطينيين الموجودين في مخيم “عين الحلوة”، فإن “هدف التجنيد هو إعطاؤهم الشعور بأنهم شركاء في العملية الدائرة على الحدود، وأن الحزب شريك بدوره. فالحزب منزعج جداً مما يحصل وبسبب القتال في غزة الذي خطف الأضواء منه… بعدما ظل ولفترة طويلة يعلن أنه يحتكر المقاومة، وأنه من يرفع راية محاربة إسرائيل”.
“ليست شراكة حقيقية”
وكانت صحف قريبة من “حزب الله” قد أشارت إلى “أن غرفة العمليات المشتركة مع فصائل المقاومة الفلسطينية وقوى محور المقاومة تعمل بشكل مستمر ومكثف وتنسيق تام، إذ يجري تبادل المعطيات، كما يتم التوافق على الخطوات المفترض اتباعها على جبهتي لبنان وفلسطين، وأن العمل الميداني في الساحتين بات رهن ما تقرره غرفة العمليات ربطاً بالوضع على الأرض وبالخطوات السياسية القائمة”. وعلى ضوء ذلك يخشى المراقبون ومع سقوط ما يعرف بـ”قواعد الاشتباك” بين إسرائيل والحزب وبعد عمليات الاغتيال التي طاولت قادة من فرقة “الرضوان” (فرقة النخبة في حزب الله)، واغتيال القيادي في “حماس” صالح العاروري داخل معقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية، “أن تتحول تلك المنطقة إلى غرفة عمليات مركزية وظيفتها قيادة المعارك الإقليمية في المنطقة”، وفقاً لتقارير إعلامية لبنانية. وكان رئيس المجلس التنفيذي لـ”حزب الله” هاشم صفي الدين قد توجه إلى الفصائل الفلسطينية بالقول “سلاحنا وصواريخنا معكم”، معلناً “لسنا على الحياد في المعركة التي تدور حالياً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي…”.
ويقول المصدر عينه في حديثه مع “اندبندنت عربية”، “إن الفلسطينيين الذين عادوا من الساحة الجنوبية غير مرتاحين لما يحصل، وذلك بسبب شعورهم وكأن الأمر تمثيلية، أي أنهم ليسوا شركاء حقيقيين”. ويلفت المصدر إلى “أن عدم راحة الفلسطيني المجند تتأتى من أنه يذهب كعنصر مرابطة، أي إنه يتصرف وفق أوامر الحزب، وليس شريكاً في معركة ولا يمتلك حرية قراره”. ويعلل المصدر أسباب ذلك في “أن (حزب الله) لا يستطيع فتح الساحة الجنوبية وإعطاء الفصائل الفلسطينية حرية الحركة في مناطقه، لأنه سيفقد عامل ضبط الإيقاع. كما أن البيئة الشيعية التي قاتلت الفلسطينيين خلال حرب المخيمات فترة الثمانينيات لا ترتاح لعودة الفصائل الفلسطينية التي تعدها (غريبة) للتجول ضمن قراها وبلداتها، أو استباحة أراضيها لإطلاق صواريخ وفتح معارك مع إسرائيل”.