الرئيسية / مقالات رأي / “يوم تال” لكل شخص

“يوم تال” لكل شخص

بقلم: غسان زقطان- النهار العربي

الشرق اليوم– مبكراً أثار وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن فكرة “اليوم التالي” للحرب، كانت الفكرة تنطلق من فرضية انتصار الجيش الإسرائيلي الحاسم والسريع، نسبياً، وعلى قاعدة تحقيق الأهداف المعلنة في بيان الحرب الذي أطلقه نتنياهو وتبناه بقوة ومن دون تمحيص بايدن وإدارته، وجزء من توفير الوقت وتعويم شبهة الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة.

ما الذي سنفعله صبيحة انتهاء الحرب عندما سينتصر الجيش الإسرائيلي وتنهار “حماس”، ما الذي سنفعله في غزة بعد “حماس”؟ ثمة ثقة مبالغ فيها هنا وكثير من اليقين والتفاؤل غير المدروس.

على هوامش السؤال تجمعت غيمة من التوقعات وطرحت اقتراحات متعددة، وأثير الكثير من الجدل وظهرت وجهات نظر مختلفة، على سبيل المثال تبنى مستشارو البيت الأبيض ووزير الخارجية برنامج تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية بعد ترشيقها وإصلاح شأنها وتأهيل أجهزتها الأمنية، وكان هناك اقتراح بتولي قوة متعددة الجنسيات شؤون القطاع، بينما تدرجت الأفكار في إسرائيل من تهجير الفلسطينيين ودفعهم نحو سيناء، وإعادة احتلال غزة وعودة المستوطنات، كان هناك اقتراح إزالة غزة وإنشاء حديقة بحرية ليتمكن مستوطنو الغلاف من مشاهدة البحر، إلى تهجير ما أمكن “طوعياً” وإبقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية على طريقة “منطقة بي” في الضفة الغربية، شؤون الخدمات للسلطة الفلسطينية والأمن للاحتلال.

الآن وبعدما طوت الحرب أيامها المئة، تغيرت أشياء كثيرة وتراكمت أسئلة إضافية جاءت بها الحرب نفسها وإلى جانب “ماذا سنفعل بعد حماس”، وهو سؤال جرى ترشيده وتعديله حتى وصل إلى أنه “من المستحيل القضاء على حماس”، سيظهر سؤال ماذا بعد نتنياهو؟ وهو سؤال مطروح في الكواليس بقوة، طبعاً، في الجانب الفلسطيني، إلى جانب “حكمة” الانتظار غير المثمرة في “المقاطعة”، ثمة “تسريبات” قادمة من لقاء حدث في العاصمة القطرية أخيراً، طرحت فيه أفكار حكومة وحدة وطنية تقود مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات رئاسية وتشريعية. تضيف “التسريبات” أن هناك سلة أسماء لقيادة هذه المرحلة، منها سلام فياض وناصر القدوة وطبعاً مروان البرغوثي في حالة تحريره من الأسر الإسرائيلي، وهي أسماء من داخل الإطار الوطني وليست مفروضة من الخارج، فياض اشترط، كما تقول “التسريبات”، إجماعاً واضحاً من كل الفصائل، أما ناصر القدوة فقد اكتفى، في هذه المرحلة، بدعم فكرة حكومة الوحدة وحصر مهمتها بالإعمار والانتخابات، القدوة الذي تحالف، في الانتخابات التي جمدها الرئيس الفلسطيني، مع مروان البرغوثي وشريحة واسعة من المستقلين الوطنيين ضمن رؤية ديموقراطية عريضة، سيشكل، في مرحلة قادمة، أحد الخيارات الوحدوية القادمة من نسيج الحركة الوطنية ونواتها.

في الشهر الرابع لحرب إسرائيل على فلسطين، يبدو “اليوم التالي” أكثر خطورة من الحرب نفسها، “اليوم” الذي يتجمع خارج أسوار الحرب وبواباتها ويتعدد ويراكم رسائله التي ستصل للجميع من دون استثناء، ليس هذا اليوم، الذي يتخذ شكل القيامة، خاصاً بغزة أو “حماس”، كما طرحته جولات بلينكن مبكراً وكما كان سؤال بايدن لنتنياهو يوم وصول الرئيس الأميركي التراجيدي إلى تل أبيب عشية السابع من تشرين الأول(أكتوبر)، السؤال الذي لم يجب عنه نتنياهو بعد أكثر من 100 يوم، هو الآن “يوم” يصيب الجميع ويقصدهم، أفراداً وكيانات.

رتل من “الأيام التالية” تصطف وتتعزز حمولاتها تقف على خط وقف إطلاق النار، إذ سيحصل الجميع كل على “يومه التالي”.

في الجانب الآخر يعرف “اليمين واليمين الفاشي” في إسرائيل أن الحرب لم توفر له أسبابا للبقاء في سدة الحكم، وأن الثغرة الهائلة التي حدثت في السابع من تشرين الأول لم يجر إغلاقها أو ترميمها، والأسوأ انها بعد أكثر من ثلاثة أشهر توسعت وشملت كل مناحي الحياة في إسرائيل، وأن المحاكمة الجارية الآن في الشارع على شكل تظاهرات واحتجاجات ومسيرات، وفي مجلس الحرب والحكومة الموسعة، على شكل صراعات معلنة ومكائد صغيرة وشتائم واتهامات، ستتحول الى نتائج قاسية ستحرمه، اليمين، من العودة إلى الحكم بعد عقود طويلة من الاسترخاء، تخللتها اختراقات محدودة للوسط واليسار، هناك تحفظات لا يمكن القفز عنها أو تجاهلها حول معايير اليسار واليمين في إسرائيل، لذلك سيبدو تواصل الحرب بأهدافها غير المتحققة هدفاً بحد ذاتها.

يعرفون في إسرائيل أن اليوم التالي يعني إعادة النظر في كل شيء، من تصفيح ناقلة “النمر” و”الميركافا 4″ إلى التعديل القضائي وتداعيات محكمة العدل، وصولاً ًًإلى حصانة الجيش التي تهلهلت ومعايير الأمن والمواطنة والثقة بالدولة، وإنهاء حكم اليمين وحقبة نتنياهو وفريقه.

المثلث الذي يضم بن غفير وسموتريتش ونتنياهو، يعرفون ذلك جيداً، وهم أكثر انسجاما مما يقدمه المشهد، وعلى النقيض مما يبدو الأمر حين يكرر بن غفير تهديده بحل الحكومة، يعرف أن هذا التهديد سيشكل رافعة لموقف نتنياهو الرافض لوقف الحرب، الحرب هي عربة الإنقاذ التي صعد إليها الجميع، الأهداف الأخرى من القضاء على “حماس” وإعادة السيطرة على غزة واستعادة الرهائن ليست سوى ذرائع، الامكانية الوحيدة لإسقاط حكومة اليمين لن تأتي من المعارضة أو الاحتجاجات أو رغبات بايدن وإدارته، فقط من داخل الائتلاف، من داخل “الليكود”. 

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …