الرئيسية / مقالات رأي / مَن يملك سلطة القرار السياسي في العراق؟

مَن يملك سلطة القرار السياسي في العراق؟

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربي

الشرق اليوم– ما هو مؤكّد أنّ هناك انقساماً في ما يُسمّى مجازاً بـ”البيت الشيعي” في العراق (وهي فكرة دعا إليها أحمد الجلبي من غير أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ). الجزء المعلن من ذلك الخلاف يتمثل في خروج مقتدى الصدر بتياره السياسي على إجماع الأحزاب الشيعية التي وضعت كل بيضها في السلّة الإيرانية ضمن ما صار يُسمّى بتحالف الإطار التنسيقي الذي حسم موضوع الحكم لصالحه بعد تخلّي الصدر عن حقوقه الانتخابية التي جناها في انتخابات عام 2021. أما الخلاف الخفي، فهو الأكثر عمقاً وخطراً. ذلك لأنّه يتعلّق ببنية التحالف الحاكم التي تمّ تلفيقها على عجل في محاولة للردّ على احتجاجات عام 2019. تلك بنية غير متماسكة ولا يجمع بين عناصرها إلاّ هاجس واحد هو الخوف من سقوط النظام السياسي. أما وقد استقرّت الأمور وصار موضوع الحكم محسوماً، فإنّ أشياء كثيرة ستطفو على السطح وتكون الحسابات مختلفة. فالتحالف الحاكم هو في حقيقته لا يتألّف من مجموعة من الأحزاب والكتل السياسية الشيعية فقط بل تشكّل الميليشيات عنصر حيويته وحمايته. فلولا الميليشيات ما كان لذلك التحالف أن يرى النور. الميليشيات هي التي أنقذت النظام السياسي من السقوط في مواجهة الاحتجاجات، وهي التي أعادت للأحزاب الشيعية سطوتها. في ذلك السياق يمكن النظر إلى المكانة التي صارت الميليشيات تحتلها في قلب البنية الداخلية للنظام. وهو الحدث الذي يشكّل إنقلاباً على العملية السياسية التي لم تعد تراعي التوازن الطائفي في سياق مبدأ المحاصصة.

التسوية الأميركية ـ الإيرانية هي الأساس شكّل سقوط حكومة عادل عبد المهدي بتأثير مباشر من الاحتجاجات نهايةً لمخطّط قيام دولة الحشد الشعبي على أنقاض الدولة الفاشلة التي أنتجها النظام الطائفي الذي أقامه الأميركيون في العراق بعد 2003. كان النظام السياسي يومها يمرّ في أكثر مراحله ضعفاً وحرجاً بعدما قتلت الميليشيات أكثر من 700 محتج، وبدا واضحاً أنّ إيران والولايات المتحدة تستعدان في إطار التسوية السياسية القائمة بينهما لإعادة انتاج النظام، لكن بوجوه جديدة لا علاقة عضوية تربطها بالأحزاب والميليشيات. وكان قبول إيران بـ”بمصطفى الكاظمي” دليلاً على اضطرارها لتقديم تنازلات ذات مساس بهيمنتها المطلقة من أجل ألاّ تُقلب الطاولة على الجميع كما كان المحتجون يأملون. تلك كانت صفقة مربحة بالنسبة للطرف الأميركي الذي اعتبر النتيجة التي أفرزتها الاحتجاجات انتصاراً له بالرغم من أنّه لم يكن راغباً في استبعاد الطرف الإيراني من المعادلة السياسية في العراق كلياً، لا لشيء إلاّ لأنّ ذلك الطرف حسب التقديرات الأميركية قادر على ضبط الإيقاع بين أطراف النظام الطائفي بالقوة نفسها الذي تمكّنه من احتواء الأحزاب والميليشيات الشيعية التي كان الجزء الأكبر منها يدين بالولاء للولي الفقيه. غير أنّ ما حدث في ما بعد كشف عن أنّ اللعبة يُمكن أن تُدار بطريقة مختلفة، بحيث تكون حكومة الكاظمي أشبه بهدنة، يستطيع النظام من خلالها إستعادة أنفاسه والعودة إلى الملعب مسلّحاً بأدوات جديدة، مكّنته هذه المرّة من بسط نفوذه على مساحات جديدة.

خريطة سياسية جديدة بعد الانتخابات البلدية (مجالس المحافظات التي أعيد العمل بها بعد توقيفها) بدا أنّ لا أمل في عودة التيار الصدري الذي يصنّفه البعض تياراً سياسياً معارضاً إلى المشهد السياسي. فالخريطة السياسية بدءاً من مجلس النواب مروراً بالحكومة الإتحادية وانتهاءً بمجالس المحافظات صارت من حصّة الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران. غير أنّ الأمر اللافت هذه المرّة أنّ الميليشيات وبعد أن انتقل عدد كبير من زعمائها وأعضائها البارزين إلى العمل السياسي من خلال مجلس النواب سداً للفراغ الذي تركه انسحاب ممثلي التيار الصدري، قد وسّعت من المجال الحيوي الذي تتحرّك فيه، حين فاز ممثلوها بأكبر عدد من المقاعد في المجالس التي تدير المحافظات، وهو ما سيسمح لها بإحكام سيطرتها على الجزء الأكبر من الموازنة المالية.

بمعنى أنّ ما سيُخصّص من أموال من أجل تطوير البنية التحتية في الجزءين الأوسط والجنوبي سيوضع تحت تصرف الميليشيات ومن ثم يذهب إلى حسابات زعمائها وأعضائها المتنفذين. كما هو الحال بالنسبة للوزارات التي تُدار من قِبل المكاتب الاقتصادية التابعة للأحزاب والكتل السياسية. وفي ذلك لن تكون محافظات الغرب العراقي ذات الأغلبية السنّية استثناء. ذلك لأنّها هي الأخرى قد تمّ اختراقها بممثلي الميليشيات أو جرى احتواء ممثليها من قِبل الأحزاب الشيعية.

وعلى أساس هذه الخريطة يمكن القول إنّ ما فشلت الميليشيات في الحصول عليه بالقوة نجحت في الحصول عليه عن طريق انتخابات، لم تكن نسبة المشاركة فيها كبيرة، غير أنّ نتائجها كان يجب أن تُقرّ في سياق الرؤية الأميركية ــ الإيرانية المشتركة. الدولة التي تديرها الميليشيات لا أعتقد أنّ الأحزاب والكتل السياسية الشيعية تمانع من أن تكون واجهة لدولة تحكمها الميليشيات التي هي أكثر ولاءً منها لإيران من الباطن.

فمَن لا يملك ميليشيا في العراق لن يتمكن من البقاء طويلاً كما يأمل نوري المالكي الذي يتزعم التحالف التنسيقي. فالرجل حتى وإن سمّى نفسه زعيماً للمقاومة في وقت من الأوقات أو وصفه أتباعه بـ”مختار العصر” فإنّ حجمه يتضاءل أمام زعيم “منظمة بدر” هادي العامري أو زعيم “عصائب أهل الحق” قيس الخزاعي. وبالرغم من أنّه يعتبر نفسه الأكثر مهارة في إدارة الشؤون الطائفية، غير أنّ ذلك الوهم يمكن أن يُلقى في سلّة النفايات إذا ما شعرت الميليشيات بأنّ هناك خطراً يتهدّد مصالحها لن تتمكن الواجهة الحزبية من التصدّي له.

سلاح المقاومة التي لطالما استعملته الميليشيات في الصراع على آبار النفط وتهريبه تحت غطاء المعارك العشائرية يُمكن أن يُشهَر بيسر في وجه المالكي وسواه من رموز النظام الطائفي. لذلك يمكن القول إنّ العراق ليس في طريقه إلى أن يكون دولة تحكمها الميليشيات بل هو كذلك منذ أن حُسمت أمور الحكم كلها لصالح تحالف الأحزاب الموالية لإيران.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …