بقلم: طارق فهمي- العين
الشرق اليوم– تزامنت الضربات الأمريكية البريطانية على مواقع محددة لمراكز الحضور الحوثي في اليمن مع التخوف المطروح إقليميا ودوليا من احتمالات توسع رقعة النزاع في قطاع غزة.
ورغم تأكيد الإدارة الأمريكية على أن واشنطن لا تسعى إلى نزاع مع إيران إلا أن كل الشواهد قد تمضي في اتجاه آخر مرتبطة باحتمال إرسال قوة بحرية أوروبية للمساعدة على حماية السفن في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين.
كما أعلنت واشنطن فرض عقوبات جديدة على شركتي نقل بحري، بتهمة دعم الحوثيين وحيث تعيق هجمات الحوثيين حركة الملاحة في البحر الأحمر الذي تمر عبره 12% من التجارة العالمية.
وقد تسببت بمضاعفة كلفة النقل، نتيجة تغيير شركات الشحن مسار سفنها حول جنوب أفريقيا والواقع أن هذه الهجمات على المواقع العسكرية هي هجمات رمزية، والهدف منها هو إرسال رسالة واضحة للحوثيين خلاصتها أن الولايات المتحدة، والدول الغربية مستعدة لاتخاذ إجراءات، إذا استمر الحوثيون في تعطيل طرق الشحن في البحر الأحمر.
ومن المشكوك فيه أن هذه الضربات – وإن تزايدت حدتها – ستمنع الحوثيين من شن المزيد من الهجمات خاصة مع ترديد الحوثي بأن البحر الأحمر آمن للسفن غير المرتبطة بإسرائيل مع تأكيدهم بأن الحل المطروح التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقد تزامنت هذه التطورات مع عدم اتضاح أية نتائج حقيقية يمكن البناء عليها في أعقاب جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية لا تزال تتكشف مواقف الأطراف المعنية بالملف في قطاع غزة و الضفة الغربية، وأنها في مرحلة انتقالية ما بين رصد، وتكشف توجهات الدول المعنية بصورة مباشرة والدول الداعمة، والتي يمكن أن تلعب دورا مؤثرا وفاعلا في تحريك الموقف الراهن الذي لا يزال في طور التشكل.
خاصة، وأن الإدارة الأمريكية ليس لديها تصور كامل، وسيتجه بلينكن إلى الكونغرس ليعرض المشهد الراهن الذي قام بفحصه من خلال ما استمع إليه من قادة الدول التي التقى بها.
والملاحظ وكنتائج للجولة وللتحركات الأمريكية الراهنة أولا: لا تزال الإدارة الأمريكية تتبنى الموقف الإسرائيلي، ولم تغير توجهاتها بصرف النظر عن بعض التصريحات الأمريكية الخاصة بعودة بعض سكان شمال القطاع، والتأكيد على خيار حل الدولتين، وتبني مقاربة للتهدئة، ودعم السلطة الفلسطينية بعد سنوات من تصدير الأزمات لها.
ويؤكد ذلك أن الإدارة الأمريكية لا تزال تتكشف نقطة بداية حقيقية للعمل عليها في الفترة المقبلة، وفي توقيت بالغ الأهمية للإدارة التي تواجه كثيرا من الاستحقاقات لا تتوقف على إجراء الانتخابات الرئاسية، والصراع الراهن داخل الحزب الديمقراطي، والمنافسات العاتية التي تواجه الرئيس بايدن للاستمرار في الترشح إضافة لعودة الصراع داخل التيار الراديكالي في الحزب الديمقراطي حول دعم إسرائيل في ظل ما تواجهه السياسة الأمريكية من مخاطر وتحديات ومصداقية في العالم.
إضافة إلى دخول شرائح مؤثرة في بنية المجتمع الانتخابي مثل الجاليات العربية والإسلامية على الخط الأمر الذي يؤكد على أن الإدارة الأمريكية لها حساباتها الكبرى في التعامل مع الملف الفلسطيني بأكمله وليس فقط العمل على قطاع غزة.
الثاني: استمرار الإعلان عن خطط استباقية تحمل بعدا نظريا أكثر منه واقعيا في إطار الحديث عن عودة تعويم الدور الإسرائيلي، وإخراجه من الدائرة الراهنة نتاج دخوله واستمراره في حرب غزة.
ويؤكد ذلك أننا أمام مرحلة انتقالية حيث لم تبلور الإدارة مقاربة قابلة للتنفيذ، أو التحرك في مسار منضبط أو محدد أو الانتقال من الطرح للتنفيذ حيث لا تملك الإدارة أية تدابير للعمل حتى الآن وكل ما يطرح التأكيد على ثوابت التعامل الأمريكي مع الملف الفلسطيني، وهو أمر ليس جديدا، والتزمت بتفاصيله أغلب الإدارات الأمريكية التي تتعامل من منطلق مصالح الأمة الأمريكية وأمن إسرائيل والتحالف الاستراتيجي الممتد بين البلدين.
وهو ما يؤكد على مسعى الإدارة الأمريكية للتواجد في التطورات الراهنة دون تقديم رؤية للعمل عليها مع نقل رسالة لدول الإقليم بأن الولايات المتحدة لا تزال تجتهد في إطار الضغط على إسرائيل دون القدرة الحقيقية على وقف إطلاق النار، أو حتى القبول تكتيكيا بالعمل على مسارات محددة يمكن الانتقال منها إلى خطوة جادة في ظل التعنت الإسرائيلي الراهن، ورفض مجلس الحرب تقديم أية تنازلات بل والانتقال إلى المرحلة الثالثة من العمليات في عمق القطاع، والتي ترتبط أصلا بالترتيبات الأمنية والتي تدور حول تقليص مساحة القطاع وتجزئته والعمل على خيارات محدودة.
أما في داخل القطاع، فإن الحل بالانتقال إلى خطوات تنفيذية، وفي إطار انفرادي ما سيغلق الباب أمام أي مناقشات حول عودة السكان المدنيين إلي بيوتهم بعد أن أصبح القطاع غير آهل للحياة أصلا، ويحتاج سنوات لإعادة إعماره عبر تحديد دور عربي لافت في القيام بهذا الدور في الفترة المقبلة حال توقف إطلاق النار بالفعل، وفي ظل خيارات تبدو محدودة برغم ما يقال لأن إسرائيل لن تقبل بدور عربي فقط بل وأممي من خلال دور إشرافي وربما متعدد الجنسيات، وهو ما طرحه وزير الدفاع غالانت مؤخرا ما يؤكد على التوجه الإسرائيلي بالعمل على عدة مسارات، ودون العمل مع الأطراف المعنية ما يثير إشكالية التنسيق والتفاهم.
وهو ما فشل وزير الخارجية بلينكن في التعامل معه بل بالعكس خرج يؤكد على الموقف الإسرائيلي في مجمله وحق إسرائيل الكامل في بناء تفاهماتها مما قد يصطدم بالتعامل مع السلطة الفلسطينية التي تريد الإدارة الأمريكية تعويم دورها في الفترة المقبلة مع الدفع بالرئيس محمود عباس للقيام بدور من خلال أجهزة السلطة، والتي ستدخل القطاع وتطرح دورا فلسطينيا ربما جاء في توقيت غير مناسب في ظل عدم وجود توجه فلسطيني مقبول ومتفق عليه عبر القوي الفلسطينية.
وهو ما يعني أن السلطة الفلسطينية تواجه خيارات محدودة، وليس لديها رفاهية الحل أو القبول، أو الرفض في توقيت بالغ الأهمية، وفي ظل رفض حركة حماس الخروج من المشهد تكتيكيا، أو القبول بأن تكون ضمن منظومة السلطة الفلسطينية بل بالعكس تعمل في مساحة أكبر مع المناورة بالقدرة على المواجهة، والانتقال إلى أن تكون الطرف المعني، والمهم في ظل امتلاك أوراق ضاغطة، ومنها ملف التفاوض حول الأسرى العسكريين، وهو ما سيفرض خيارات صعبة لن تجرؤ السلطة الفلسطينية على التعامل معها، وتحتاج إلى وسائل ضغط حقيقية للتعامل وفي ظل دعاوي عامة تعيد طرح ملف التعامل الفلسطينيين في سياق منظمة التحرير، وإدخال حركتي حماس والجهاد وهو أمر تكرر منذ الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة وتم تداوله بعد ذلك دون حل حسم بعد أن طلبت حماس اتباع قاعدة المحاصصة في هذا السياق ودون حسم لهذا الأمر ما يؤكد على أن هناك إشكاليات حقيقية تتعلق بدور حركة حماس في المعادلة الفلسطينية الراهنة والمحتملة ورفض الإدارة الأمريكية وإسرائيل أن تلعب دورا ولو هامشيا .
ومن ثم فإن هناك تصوراً إسرائيلياً وعربياً إلى حد ما يتعامل مع التطورات الجارية في ظل عدم وجود دور لحركة حماس على اعتبار أن وجودها سيؤثر بالسلب على ما سيجري من تطورات قد تجري في الفترة المقبلة، أو على الأقل التمهيد لما هو آت من تصورات قد تكون مطروحة للنقاش، أو التداول كما طرح الوزير الأمريكي دون وجود روابط فعالة يمكن البناء عليها سياسيا، أو أمنيا، وفي ظل التركيز على الترتيبات الأمنية والاستراتيجية التي تخطط الحكومة الإسرائيلية لتنفيذها بصرف النظر عن إطارها، وفي كل الأحوال ستظل الإدارة الأمريكية تتحرك في مساحات متعددة بحثا عن خطوات تدريجية ومرحلية، ودون العمل على كليات .
مجمل القول أن توجهات الإدارة الأمريكية تشير إلى عدم وجود مقاربة شاملة للحل في غزة، أو محاولة لبناء دوائر محددة للعمل متعدد الأطراف، ولعل ما جرى في استهداف مواقع الحوثيين يؤكد على أن الضربات الأمريكية والبريطانية ستبقى في إطارها رسالة ردع لمنع تفاقم الهجمات على السفن العابرة بالبحر الأحمر ليس أكثر، ودونما العمل على حل لمسألة غزة بعد أن بدأت الـ100 يوم الثانية .