الشرق اليوم– تجاوزت الحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزة الفلسطيني، المئة يوم الأولى، من دون أن تلوح بوادر واضحة لنهايتها، فيما يبدو المجتمع الدولي في أبشع صور عجزه عن وقف الإبادة التي يتعرض لها المدنيون، تحت القصف الجوي، والبري والبحري، وبفعل أفتك الأسلحة التي أنتجتها مصانع الذخيرة الأمريكية.
بعد 100 يوم، لم تعد غزة تشبه ما قبلها، فحصيلة الضحايا والمصابين والمفقودين تقارب المئة ألف إنسان، والدمار الواسع حلّ بثلثي القطاع الذي غدا مجرد أكوام من الأنقاض، وهناك أكثر من 80 في المئة من السكان، أي مليون و900 ألف فلسطيني، باتوا نازحين بلا مأوى، تفتك بهم الأمراض والأوبئة والمجاعة. كل ذلك والمجتمع الدولي يتابع هذه المشاهد الحالكة من دون صحوة ضمير حقيقية، توقف هذا العار الإنساني، والفضيحة الأخلاقية الكبرى، بل إن بعض الدول ما زالت تتعامى عن الحقائق، وتتجاسر على تمجيد القاتل، وإدانة الضحية.
بعد 100 يوم، لم تعد إسرائيل ذاتها كما كانت، وفضلاً عن الهزيمة الأخلاقية والاستراتيجية غير المسبوقة، لم تحقق أهدافها العسكرية المعلنة، فلم تستعِد أسيراً واحداً حياً، ولم تقض على الفصائل المسلحة في غزة، ولم تنجح في تهجير الشعب الفلسطيني المتشبث بأرضه، رغم ما تعرض له من إبادة. أما داخلياً، فقدْ فقدَ الإسرائيليون الأمن الذي كانوا موعودين به، وبات مئات الآلاف منهم مشردين خارج مستوطناتهم، في المناطق المتاخمة لغزة، والحدود مع لبنان، وحكومة الحرب التي شكّلها، بنيامين نتنياهو، باتت في حكم الميتة، بفعل الخلافات والصراعات بين أركانها، وتعبّر عن أزمة عميقة الأغوار والأبعاد، تتصل بوجود هذه الدولة المعتدية على شعب كامل، وتحرمه من أبسط حقوقه، بعدما اغتصبت أرضه، وحلمه، ومستقبله.
بعد 100 يوم من الحرب المدمرة، لم تعد منطقة الشرق الأوسط كما كانت، فقد تغيّرت تماماً، ولكن ليس كما وعد نتنياهو مباشرة، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. والعالم أيضاً، لم يعد كما كان، فقد باتت القضية الفلسطينية على كل لسان، وتحركت لنصرتها دول، وأممن وشعوب، وإذا كان مجلس الأمن الدولي فشل، مرات ومرات، في وقف المذبحة بسبب الفيتو الأمريكي المناصر دوماً للظلم الإسرائيلي، فإن الجمعية العامة والمنظمات الدولية الأخرى، استطاعت أن ترفع صوتها وتسمّي الأشياء بمسمياتها الحقيقية. ولولا هذا الحراك والزخم، لما استطاعت دولة جنوب إفريقيا أن تجرجر إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، وتفضح جرائمها، واحدة واحدة، وفصلاً بعد فصل، حتى تبيّن للضمير الإنساني حجم المظلمة التاريخية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ليس قبل السابع من أكتوبر، وإنما منذ النكبة الأولى قبل 75 عاماً.
بعد 100 يوم، لا تبدو حرب الإبادة الإسرائيلية قد ارتوت من الجرائم والدم، وها هي دوامة الموت مستمرة ربما حتى المئة الثانية، وما بعدها، وربما ستجر المنطقة والعالم إلى ما هو أسوأ. ومهما فعلت تل أبيب لن تحقق أكثر مما حققته من هذا العار التاريخي الذي لطخها، وفضح صمت المجتمع الدولي، وكشف نفاقه، وعجزه.
المصدر: صحيفة الخليج