الشرق اليوم- خاضت جنوب إفريقيا يومي الخميس والجمعة الماضيين معركة قضائية وسياسية ضارية في محكمة العدل الدولية، لا تقل ضراوة عن حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة.
معركة جنوب إفريقيا هذه هي معركة العالم قبل العرب ضد العنصرية والبطش والجرائم والمذابح والإبادة الجماعية التي ترتكب في قطاع غزة ضد المدنيين. هي معركة من أجل العدالة والحق والحرية، تحملت مهمتها جنوب إفريقيا باعتبارها تمثل تاريخاً طويلاً من النضال ضد العنصرية والتمييز العرقي.
أن تقوم جنوب إفريقيا بهذه المهمة وحدها فذلك يعود إلى إرث نضالي طويل للزعيم نيلسون مانديلا الذي قضى 27 عاماً في سجن الفصل العنصري، وخرج إلى الحرية عام 1990، حاملاً رايتها، مؤكداً «أن حريتنا لن تكتمل من دون حرية الشعب الفلسطيني». وها هم أحفاد مانديلا يكملون الرسالة ويؤكدون أن الأمانة التي يحملونها يجب أن تترجم في مواجهة أعتى حرب إبادة يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948.
في محكمة العدل الدولية قدمت جنوب إفريقيا مذكرة من 84 صفحة برئاسة وزير العدل رونالد لامولا تتهم فيها إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، واستندت إلى المادة 41 من قانون المحكمة الذي وضع عام 1948، والذي عرّف مفهوم الإبادة على أنه ارتكاب أعمال بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية، أو عرقية، أو إثنية، أو دينية، وتشمل قتل أعضاء الجماعة، وإلحاق أذى بدني أو نفسي بهم، وإخضاعهم عمداً لظروف معيشية يراد بها تدمير الجماعة.
تمكن فريق محامي جنوب إفريقيا في مرافعاتهم من تعرية الممارسات الإسرائيلية المرتكبة بحق المدنيين في قطاع غزة، وقتل وجرح عشرات الآلاف منهم، وتشريد نحو مليوني مواطن وتدمير منازلهم والمستشفيات وأماكن اللجوء في المدارس التابعة للمنظمات الدولية، وذلك من خلال تقديم الأدلة والوثائق والصور، وتصريحات لمسؤولين إسرائيليين يطالبون بالتدمير والقتل والإبادة والتهجير، إضافة إلى الحصار البري والبحري والجوي المفروض على القطاع منذ 17 عاماً، ومنع الكهرباء والغذاء والدواء.
جن جنون إسرائيل التي وجدت نفسها تقف عارية أمام المحكمة الدولية، ولم تجد مِن وصف لما قدمته جنوب إفريقيا من أدلة إلا القول بأنها «أكاذيب ونفاق»، كما لم تجد راعيتها الولايات المتحدة سوى القول «إن الادعاءات بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية لا أساس لها من الصحة». كما أن ممثلي الدفاع الإسرائيلي في المحكمة الدولية ضخوا بدورهم سلسلة من الأكاذيب التي كررها الاحتلال الإسرائيلي على مدار عشرات السنوات لتبرير كل الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.
الفريق الإسرائيلي حاول مرارا التملص من تصريحات مسؤوليه التي تدعو إلى الإبادة، كما ادعى أن المحكمة ليست مختصة بالنظر في مذكرة جنوب إفريقيا.
نحن أمام مشهد جديد من مشاهد الحرب على المستوى القضائي والسياسي، إذ على محكمة العدل الدولية أن تتخذ قرارها بتعليق فوري للحرب على غزة، وإدانة «أعمال الإبادة» التي تقوم بها إسرائيل، وذلك إحقاقاً للحق والعدالة والإنسانية.
المصدر: صحيفة الخليج