بقلم: فارس خشان- النهار العربي
الشرق اليوم– إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مقتنعة بأنّ “حزب الله” لا يريد توسيع الحرب التي بدأها، في الثامن من تشرين الأوّل (أكتوبر) على الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة، ولكنّها غير واثقة بنيّة الحكومة الإسرائيليّة المضمرة التي تتصرّف عسكريًّا من دون ضوابط، وبطريقة تُظهرها في موقع من يستدرج “حزب الله” إلى مواجهة شاملة.
مخاوف إدارة بايدن تكمن في أن تحظى الحكومة الإسرائيليّة بحجة تُعينها على توسيع الحرب على لبنان، ما يضع هذه الإدارة أمام “الأمر الواقع”، بحيث تضطر إلى أن تقف مع تل أبيب ضد حارة حريك وطهران معًا!
وتضع إسرائيل شروطًا صعبة للتخلّي عن خيار توسيع الحرب على لبنان، فهي لا تريد فقط إبعاد “حزب الله” إلى ما وراء الضفة الشماليّة لنهر الليطاني، بل تطالب بضمانات لعدم عودته إلى جنوب هذا النهر لاحقًا، أيضًا.
وهذا يعني أنّ إسرائيل لن ترضى بأن يعود الجيش اللبناني مدعومًا من اليونيفيل إلى آليات المراقبة التي كان الطرفان يعتمدانها، منذ عام 2006، تاريخ بدء تنفيذ القرار 1701. وهذا موضوع شائك، طالما وضعته تل أبيب في الواجهة، ولكنّه كان ينتهي دائمًا بـ”طريقة حبيّة” في مجلس الأمن، عند اتخاذ قرارات التجديد، سنويًّا، لولاية اليونيفيل، ليس بسبب وجود مخاطر الفيتو الروسي والصيني بل نظرًا لعدم استعداد الدول المشاركة في هذه القوة الدولية للدخول في صراع ميداني مع “حزب الله”، كما هي حال فرنسا وإسبانيا وإيطاليا.
في المقابل، لم يترك “حزب الله” الساحة الدبلوماسيّة للشرط الإسرائيلي الذي يستحيل أن يقبل به، وفق أكثر المراقبين قربًا منه، بل قدّم طرحًا مقابلًا، يحمل الميزات “المعقدة” للشرط الإسرائيلي، بحيث طلب أن تتوقف الحرب على قطاع غزّة، أوّلًا، وأن تنسحب إسرائيل حتى من مزارع شبعا التي لا تعترف الأمم المتحدة بهويّتها اللبنانيّة، إذ إنّ الوثائق المتوافرة لديها تنسبها إلى سوريا وقد احتلّتها إسرائيل في حربها معها في عام 1967.
وهنا تحديدًا تكمن المخاوف الأميركية من أن تتدحرج المواجهات الحدوديّة بين الجيش الإسرائيلي، من جهة، و”حزب الله” من جهة أخرى إلى حرب واسعة، إذ إنّ الحكومة الإسرائيليّة ملزمة بإعادة ثمانين ألف مستوطن تمّ إجلاؤهم من شمال إسرائيل إلى منازلهم في شباط (فبراير) المقبل، وفق ما كان قد جرى تحديده، في وقت سابق.
وهؤلاء لن يعودوا إلى منازلهم إلا إذا تأكدوا من أنّ “حزب الله” قد ابتعد من الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة، إذ يخشون على أنفسهم من أن يكرر الحزب، وهو في موضوع إسرائيل يتقاسم و”حركة حماس” العقيدة نفسها، ما فعله مقاتلو قطاع غزة في جنوب إسرائيل.
إدارة بايدن التي خصصت آموس هوكشتاين بالملف اللبناني – الإسرائيلي كثفت تحركاتها بعد انتهاء عطلة أعياد رأس السنة الميلاديّة. وبمجرد أن يُنهي وزير خارجيّتها أنتوني بلينكن اجتماعاته في إسرائيل، حيث سيحتل الملف اللبناني مرتبة موازية لملف قطاع غزة، سيعود هوكشتاين إلى المنطقة، وهذه المرّة إلى لبنان، بعدما اقتصرها، في الزيارة السابقة، على إسرائيل.
يفترض ببلينكن أن يحصل من كبار المسؤولين السياسيّين والعسكريّين في إسرائيل عن معلومات تفصيلية عن المرحلة الثالثة من الحرب على غزة، وفيها وقف العمليات الحربية المكثفة لمصلحة إدارة مطاردات هادفة لخلايا “حماس”.
وفي ذهن الإدارة الأميركية فإنّ بدء المرحلة الثالثة من العملية العسكرية في غزة، يمكن أن يسمح بتهدئة الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة، على اعتبار أنّ “حزب الله” لن يعود محشورًا بمساندة غزة، من خلال تخفيف الضغط عليها بإشغال قسم من العديد والعتاد الإسرائيليّين عن المشاركة في الهجوم البري.
وهذا الهدوء يمكن أن يفتح باب التفاوض غير المباشر بين إسرائيل و”حزب الله”، فيجمّد من جهة مخاطر التدحرج العسكري، ويسمح، من جهة أخرى، بعودة جزء ممّن تركوا منازلهم في شمال إسرائيل، من دون أن يكونوا من عداد البلدات التي تقرر إجلاؤها رسميًّا.
وتعمل إدارة بايدن على تحقيق هذه النقلة النوعيّة، مستندة في ذلك إلى عاملين اثنين: ثقتها بأنّ “حزب الله” لا يريد حربًا واسعة، وقدرتها على إفهام إسرائيل بأنّها لن تقف معها، والحالة هذه، في أيّ حرب تشنّها على لبنان.
ووصول الأمور في الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة إلى هذا المستوى الدقيق والحاسم، يجعل الأيّام القليلة المقبلة خطرة للغاية، إذ إنّ أيّ خطأ في سياق اندفاع كلّ من “حزب الله” وإسرائيل إلى تعزيز أوراق القوة التي يملكانها، من شأنه أن يوصل إلى الهاوية!