بقلم: فارس خشان- النهار العربي
الشرق اليوم– قدّم الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله، في خطاب ألقاه أمس الجمعة، وهو الثاني له في أسبوع واحد، بعد صمت استمرّ أكثر من شهر، مادة للمفاوض اللبناني الذي يتعرض لضغوط دبلوماسيّة قويّة من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والاتحاد الأوروبي، من جهة ولتهديدات إسرائيلية تبدو في غاية الجدية بشن حرب واسعة على لبنان، من جهة أخرى.
ويمكن إطلاق صفة “خيار التحرير” على المادة التي أعطاها نصر الله للمفاوض اللبناني، إذ إنّه، في رد ضمني على مطالبة “حزب الله” بالانسحاب إلى ما وراء الضفة الشماليّة لنهر الليطاني، اشترط أن تنسحب إسرائيل من النقاط التي تخرق بها الخط الأزرق (13 نقطة تُحسب بالأمتار بالإضافة إلى القسم الشمالي من بلدة الغجر) وأن تحرر مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي لا تعترف الأمم المتحدة بلبنانيّتها، إذ إنّ الوثائق التي لديها تنسبها إلى الأراضي السوريّة التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
وبغض النظر عن “جودة” هذه المادة، فإنّ نصر الله بتقديمه لها، بصورة علنيّة، أظهر عدم رغبة “حزب الله” بتوسيع الحرب التي تدور رحاها، حاليًا، في المنطقة الحدودية، بحيث أضاف إلى احتواء مستوى الرد على اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة “حماس” صالح العاروري، في المربع الأمني في الضاحية الجنوبية لبيروت، دليلًا إضافيًّا على رغبته بإطفاء الحرب الحدوديّة، في أوّل مناسبة تتيحها له الوضعية الميدانية في قطاع غزّة.
وخطوة نصر الله هذه يمكنها أن تساعد الجهات اللبنانية والدولية الراغبة باحتواء التهديدات الإسرائيليّة على البحث عن مسار تهدَوي، من خلال إثارة ملفات عالقة بين لبنان وإسرائيل تحول دون التطبيق الكامل للقرار 1701.
بطبيعة الحال، تُعيد النقاط التي طرحها نصر الله للتفاوض كلًّا من لبنان وإسرائيل إلى صراع دبلوماسي وصل في عام 2000، عند انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، إلى “طريق مسدود”، ولكنّها، بما أنّها تعبّر عن نيّة “حزب الله” بفتح مسار تفاوضي، فهي تريح الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي دخل إلى ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بمطلب “مستحيل” يتمحور حول منح لبنان حقوق الملكيّة على الخط 29 وخرج ظافرًا بإعطائه حقل قانا فقط.
وطرحُ نصر الله هذا من شأنه أن يُضعف موقف المتشددين في إسرائيل الذين يضغطون لشن حرب واسعة على لبنان تجعل من جنوبه ساحة مدمّرة شبيهة بشمال قطاع غزّة، لأنّه يؤهّل الإدارة الأميركية لتجديد رفضها منح الحكومة الإسرائيليّة “رخصة حرب” على لبنان، تحتاج إليها، نظرًا لارتباط أعمق لـ”حزب الله” بالفصائل العراقية واليمنيّة والسوريّة من ارتباط “حركة حماس” بها، بالإضافة طبعًا إلى طبيعة العلاقة الجوهريّة والوجوديّة بين “حزب الله” من جهة والجمهوريّة الإسلامية في إيران، من جهة أخرى.
ويأتي طرح نصر الله لما سمّيناه “خيار التحرير” مع توافر الأدلّة على أنّ هناك جديّة إسرائيليّة غير مسبوقة لشن حرب واسعة على لبنان، إذ إنّ الائتلاف الحكومي فيها، على مختلف مكوّناته، متفق في ظل خلافاته، على نقطة واحدة: وجوب إعادة المستوطنين الذين تمّ إجلاؤهم من شمال إسرائيل إلى منازلهم بحلول شهر شباط (فبراير) المقبل، بعد اطمئنانهم إلى أنّ “حزب الله” ابتعد عن الحدود بشكل يمنعه من أن يشن هجومًا شبيهًا بذلك الذي شنّته حركة “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على غلاف غزة.
ومن تابع الوقائع المسرّبة لاجتماع الحكومة الإسرائيلية الصاخب، ليل الخميس – الجمعة، يدرك من مضمون الدفاع الذي تولّاه الوزيران بيني غانتس ويوآف غالانت عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي، في وجه وزراء اليمين المتطرّف، أنّ هناك إرادة في قيادة الجيش لإجراء دراسة موضوعيّة لأخطاء الهجوم المستمر في قطاع غزّة لتحاشي الوقوع فيها في حرب يتم التخطيط لشنّها ضد لبنان.
هل يمكن أن يُثمر طرح نصر الله؟
إنّ الجواب عن هذا السؤال لن يكون بحاجة إلى انتظار طويل، إذ إنّ الوقت الفاصل بين نجاح المساعي الدبلوماسيّة وتوسيع الحرب يضيق، وهو، بطبيعة الحال، لن ينتظر انتهاء الحرب في غزة، كما طالب نصر الله، ليتبلور.
وترجح المعلومات أنّ آموس هوكشتاين لم يفاجأ بطرح نصر الله، فهو اطلع على تفاصيله مسبقًا من وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب الذي ظهر، فجأة، في واشنطن وحمّله للوسيط الأميركي قبيل انتقاله إلى إسرائيل.
موقف يوآف غالانت، بعد لقائه هوكشتاين، يُظهر أنّ إسرائيل لم تتعامل بجديّة مع طرح نصر الله ولم تقبل بتوضيحات هوكشتاين، إذ ترى في هذا الطرح محاولة لكسب الوقت، في انتظار أن ينتهي الزخم الشعبي لمصلحة الحرب في إسرائيل وتتناثر حكومة الطوارئ في ظل معلومات تتكاثر عن انسحاب محتمل لحزب غانتس الآتي إليها من المعارضة.
إنّ إعلان نصر الله بنفسه للاقتراح قد يهدف إلى إعطائه مصداقية، من جهة، وقد يكون محاولة لتبرئة حزبه من حرب تدميريّة قد تقع، من جهة أخرى.
أوساط دبلوماسيّة تدعو إلى انتظار الأيّام المقبلة لتظهر نتائج المفاوضات السريّة التي تقودها واشنطن وتتناقش في شأنها مع باريس، وحينها يمكن رؤية لون الدخان الذي يرجو الجميع أن يكون ناصع البياض!