الرئيسية / مقالات رأي / 2023 عام الخيبات الفرنسية في إفريقيا

2023 عام الخيبات الفرنسية في إفريقيا

بقلم: سميح صعب- النهار العربي
الشرق اليوم– يمكن القول إنّ الـ 2023، كان عام أفول النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل في إفريقيا. وآخر القرارات التي تؤشر إلى ذلك، كان إعلان وزارة الخارجية الفرنسية الثلثاء، عن إغلاق السفارة الفرنسية في نيامي “بعدما واجهت عراقيل شديدة للإضطلاع بمهمّاتها”.

من مالي إلى بوركينا فاسو إلى النيجر، تلقّت فرنسا المستعمِرة السابقة، سلسلة من الضربات الدبلوماسية، أفضت في نهاية المطاف إلى إنهاء الوجود العسكري الفرنسي في الدول الثلاث التي تخوض نزاعاً مفتوحاً مع الحركات الجهادية وخصوصاً “القاعدة” و”داعش”، فضلاً عن بعض التمرّدات المحلية الطابع والمتحالفة آنياً مع الجهاديين.

من يعود عقداً إلى الوراء، يتبدّى له مدى السيطرة الفرنسية الواسعة دبلوماسياً وعسكرياً في منطقة الساحل التي تضمّ إلى النيجر وبوركينا فاسو ومالي، كلاً من تشاد وموريتانيا. والعملية العسكرية لمحاربة الجهاديين التي أطلقت عليها باريس عملية “برخان”، حقّقت في بداياتها نجاحات مهمّة واستطاعت إبعاد المتمردين عن وسط البلاد نحو أقصى الشمال.

في الأعوام الأخيرة راوحت العملية الفرنسية مكانها، ومن ثم سعت باريس إلى استخدام التدخّل العسكري رافعةً لإملاء سياساتها على حكومات هذه الدول، خصوصاً بعد الانقلاب الذي حصل في مالي عام 2021، وتلاه في العام الذي بعده انقلاب في بوركينا فاسو، قبل أن يحصل انقلاب النيجر العام الماضي، والذي شكّل محطة مفصلية في الوجود الفرنسي العسكري في منطقة الساحل.

يؤخذ على فرنسا أنّها لم تعامل مستعمرَاتها السابقة معاملة ندّية، وحافظت على ما بات يُعرف بالعلاقة “الأبوية” معها، أي أنّها كانت تتصرّف على أساس أنّ هذه الدول لم تبلغ سن الرشد، وتالياً يتعيّن أن تبقى باريس هي التي تملي عليها سياساتها.

قادت هذه السياسة إلى نقمة على فرنسا خصوصاً لدى الجيل الشاب في إفريقيا. واعتمدت باريس على علاقات مع “سلالات” في هذه الدول، بينما كان الفقر يزداد مع استشراء الفساد والبحث عن أوطان بديلة بهجرات شرعية وغير شرعية بحثاً عن لقمة العيش.

وإذا ما أُضيفت حالات الحروب مع الجهاديين إلى الإخفاقات على صعيد السياسات الداخلية وسوء إدارة الاقتصاد وتفشي الزبائنية، أحدث كل ذلك خللاً سياسياً واجتماعياً، استغلّه جنرالات الجيش الذين تحرّكوا للإستيلاء على السلطة.

اصطدمت فرنسا بطموحات العسكريين الذين وجدوا في روسيا بديلاً من باريس، فاتجهوا إلى تقليص النفوذ الفرنسي، وفتحوا الباب أمام موسكو، أولاً عبر شركة “فاغنر” العسكرية، والآن مع الحكومة الروسية مباشرة.

ويعطي مدير معهد “تمبكتو” في دكار بكاري سامبي تفسيراً لما يجري بقوله، إنّ “العناد غير الواقعي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع خطاب يعزز الانطباع باتباع سياسة الوصاية، أصابا الدبلوماسية الفرنسية بالضياع في هذا الملف”.

وفي رأي انطوان غلاسر، الذي شارك في تأليف كتاب “فخ ماكرون الإفريقي”، أنّ “أسلوب التعبير لدى ماكرون، والذي بات يفتقر اكثر فأكثر الى الدبلوماسية، يكشف انزعاجاً شديداً. نلاحظ فعلاً انّه بات في الزاوية وانّ فرنسا وقعت الآن في مصيدة الساحل”.

وما أثار الإضطراب في السنوات الماضية في منطقة الساحل لا يزال غير واضح. كان يُنظر مثلاً إلى النيجر على أنّها الدولة الأكثر إستقراراً في المنطقة. وقبل أشهر فقط من الانقلاب، وصفها وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن بأنّها “نموذج للديموقراطية”.

إنّ إستقرار النيجر يشكّل أمراً حاسماً بالنسبة إلى مستقبل منطقة الساحل، التي بدورها تُعتبر ركيزة مهمّة للقارة. وفي خلال عقد ونصف، تحوّلت المنطقة من الفقر المترافق مع استقرار نسبي، إلى بوتقة من الفوضى السياسية والمعاناة الإنسانية والإتجار الإجرامي بالبشر والعنف المتطرّف.

وأتى إنقلاب الغابون في آب (اغسطس) الماضي، ليشكّل حلقة جديدة في سلسلة النكسات التي تعرّضت لها فرنسا في مستعمراتها السابقة في غرب إفريقيا.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …