الرئيسية / دراسات وتقارير / ماذا سيبقى من غزة عندما تنتهي الحرب؟

ماذا سيبقى من غزة عندما تنتهي الحرب؟

الشرق اليوم– شكل تاريخ السابع من شهر أكتوبر من العام الماضي 2023 نقطة فاصلة في تاريخ قطاع غزة، مع اندلاع واحدة من أعنف الحروب التي شهدها القطاع، وسط سيناريوهات مفتوحة في العام الجديد 2024.

وبينما لحق الدمار بكل أوجه الحياة والبنية الأساسية في القطاع، وفيما لا تزال الحرب جارية وعدّاد الخسائر يتزايد، فإن السؤال الذي يفرض نفسه الآن: ماذا سيبقى من غزة عندما تنتهي الحرب؟

تحقيق نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، سلط الضوء على معاناة أهالي غزة تحت وطأة الحرب، طارحاً هذا السؤال، في وقت تتصاعد فيه معاناة الناس بشكل غير مسبوق هناك، مع نذر طول أمد الحرب، بما يحمله ذلك من سيناريوهات شديدة التعقيد.. وجاء في التحقيق:
إن كل سكان غزة، أغنياؤهم وفقراؤهم، صغارهم وكبارهم، يعانون من الهجوم الجوي والبري الذي لا هوادة فيه من جانب إسرائيل ضد حماس في غزة.
فقدت كل أسرة تقريبًا أحد أقاربها أو أصدقائها، حيث قُتل ما يقرب من 22 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر، وفقًا لمسؤولين فلسطينيين.
بعيداً عن ارتفاع عدد القتلى، يشار إلى حجم الدمار الذي هز سكان غزة. لقد تحطمت جميع الأسس التي قامت عليها الحياة الطبيعية في المنطقة – المدارس والمكتبات والمخابز وغيرها من المرافق والمصانع.
يخشى سكان غزة، الذين يشعرون بالذهول والرعب، أنه لن يكون هناك ما يعودون إليه عندما تصمت المدافع في نهاية المطاف.
يخلص الكثيرون إلى أن هدف إسرائيل النهائي هو جعل القطاع غير صالح للسكن وإجبارهم على التخلي عن الأرض التي يسمونها وطنهم.
من جانبه، قال سفير فلسطين السابق لدى القاهرة، السفير بركات الفرا، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:

الوضع الاقتصادي في غزة “تحت الصفر”.. قد لا يوجد اقتصاد الآن بالمطلق، كما أنه لا توجد أسواق ولا تجارة داخلية أو خارجية (بعد أن دمرت الحرب مقومات الاقتصاد الرئيسية).
البنية التحتية تم تدميرها بالكامل، وتم تدمير البنية الخاصة بالكهرباء ومحطات تحلية المياه ومحطات الصرف، كذلك كثير من الشوارع والمساكن والمباني الحكومية.. لم يتبق شيء.
حجم الخسائر يُقدر بسبعة مليارات دولار تقريباً.
وأضاف: “لا يمكن توقع أي سيناريو مع استمرار الحرب، فقط استمرار المساعدات الإنسانية بمختلف أنواعها وأشكالها، ومنها الأدوية والاغذية والخيم لتأوي النازحين”.
الوضع في المستقبل القريب

وحول الوضع في غزة في المراحل المقبلة، أفاد سفير فلسطين السابق لدى القاهرة، بأنه “لا يمكن على الإطلاق إصلاح البنية في شهر أو شهرين أو سنة.. أما إعادة الإعمار تستغرق على الأقل عشرة سنوات في حال توفر الأموال وبدء عملية الأعمار، ذلك أن الخراب الاقتصادي فوق طاقة أهل القطاع بكثير”.

وتطرق الفرا بالحديث عن البطالة قبل الحرب والتي كانت تُقدر بـنحو 50 بالمئة وفق بعض التقديرات، ولا توجد مشاريع إنتاجية ولا وظائف والذين يعيشون تحت خط الفقر بلغ 60 بالمئة قبل الحرب، متسائلًا: كيف أصبح الوضع الآن؟!

وأوضح أن الحرب على قطاع غزة “دمرت البنية التحتية والمنازل والمساجد والمقار الحكومية، ووصل عدد الضحايا إلى نحو 23 ألف بخلاف المصابين الذين يقدر عددهم بنحو 85 ألفاً (..)”.

وبالعودة لتحقيق “فاينانشال تايمز” المشار إليه، فإنه يلفت إلى أنه في داخل غزة، أُجبر أكثر من 85 بالمئة من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة – نصفهم تقريبًا تحت سن 18 عامًا – على ترك منازلهم وتم الضغط عليهم في مناطق أضيق من أي وقت مضى في الجنوب، حيث لجأوا إلى كل ما يمكنهم حمله في المباني السكنية المكتظة. والمدارس والمستشفيات والمباني التي تستخدمها الأمم المتحدة والخيام.

ووفقا للأمم المتحدة، فقد تم دُفع ربع السكان نحو المجاعة. ويصطف الناس لساعات طويلة للحصول على الخبز أو لاستخدام المرحاض. ولا يعرف الكثيرون ما إذا كانت منازلهم لا تزال قائمة.
وأفادت الصحيفة بأنه ليس غريباً على سكان غزة أن يضطروا إلى لملمة شتات حياتهم وسط الأنقاض. لقد تحطمت لحظة أمل عابرة ألهمتها اتفاقيات أوسلو بانهيار عملية السلام واندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000.

وتعرض قسم كبير من البنية التحتية للقطاع للضرر أو الدمار. ومُنع سكان غزة من العمل في إسرائيل والمستوطنات، وفُرضت قيود شديدة على حركة البضائع إلى القطاع. وتم سحق أي أفكار متبقية بشأن الدولة الفلسطينية.

وفي سياق متصل، أفاد الكاتب المتخصص في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، أشرف الهول، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بأنه:

من المؤكد أن الوضع الاقتصادي في غزة الآن وضعاً مأساوياً جداً، لا يقل سوءًا عن الوضعين الاجتماعي والعسكري.
لقد شمل الدمار كل شيء تقريباً.. ولا يوجد نشاط اقتصادي حقيقي، كذلك حركة التجارة مع غزة، فالوارادت التي تأتيها عبر المعابر مع مصر وإسرائيل توقفت تمامًا، فضلا عن توقف الصادرات القليلة التي تنتجها، بالإضافة لتوقف حركة الصناعة ومصانع الألبان ومصانع المواد الغذائية.
لا يوجد أي شيء يؤكد وجود وضع اقتصادي في غزة الآن، فالمصادر التي تستخدم لتنمية الوضع الاقتصادي مثل الأرض الزراعية دُمرت واستنزفت، كما أن الموارد التي تستخدم في التصنيع توقفت تماماً.
حجم الخسائر الاقتصادية كبير جداً (سواء المباشرة أو غير المباشرة) ولا يمكن حصرها على نحو واضح.
سيناريو استمرار الحرب

وأكد الهول أنه في حالة استمرار الحرب، فإن السيناريو المتوقع اقتصاديا هو سيناريو الخراب والفشل الكاملين؛ فغزة تعتمد الآن على المساعدات القادمة من الخارج، وكم المساعدات أقل من احتياجاتها بكثير؛ نظرًا لتحكم إسرائيل في دخول المساعدات والوقود، وأيضًا مساهمات الدول تراجعت عن الفترة الأولى في ظل ارتفاع احتياج لحجم المساعدات.

وأشار إلى أن تكلفة البنية التحتية لإعادة إعمار غزة لا تقل عن 15 أو 20 مليار دولار، لا سيما أنه تم تدمير ما لا يقل من 90 بالمئة من شوارع غزة، وتدمير منشآتها وصناعاتها، وبالتالي التكلفة تكون هائلة لبناء بلد من جديد تقريباً، فكلما طال أمد الحرب كلما زادت الخسائر وتراجعت فرص إصلاح البنية التحتية.
واستطرد: لن تجرؤ أية دولة في العالم على المشاركة في القيام بمشروعات لإصلاح البنية التحتية إلا إذا توقفت الحرب تمامًا وضمن العالم أن الحرب لن تتجدد مرة أخرى بعد عام أو حتى خمسة أعوام (..).

وذكر تقرير “فاينانشال تايمز” أنه بين عامي 2006 و2022، انكمش نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في غزة بنسبة 27 بالمئة ليصل إلى 1257 دولارا، وفقا للأونكتاد، هيئة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

عندما اندلعت الحرب الأخيرة، كان أكثر من ثلاثة أرباع السكان يعتمدون على المساعدات الدولية وكانت نسبة البطالة تبلغ نحو 44 بالمئة.
ومع ذلك، بطريقة ما، عملت الحياة وسط الضيق، وتمتع بعض رجال الأعمال والأكاديميين والأطباء والعاملين في وكالات المعونة الدولية بأنماط حياة كريمة.
وقد تضررت أو دمرت أكثر من 60 بالمئة من الوحدات السكنية في القطاع، وفقاً للأمم المتحدة، إلى جانب مئات المدارس وعشرات المساجد والطرق والمخابز والمحلات التجارية وآلاف الشركات الأخرى. كذلك فإن أكثر من نصف مستشفيات غزة لم تعد تعمل.
إعادة البناء ستتكلف مليارات الدولارات. ووفقا لصندوق النقد الدولي. (تسببت حرب عام 2014 المحدودة للغاية في أضرار تتراوح بين 3 و6 مليارات دولار).
تدمير البنية التحتية

وإلى ذلك، شدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أيمن الرقب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” على أنه بعد 90 يومًا من استمرار الحرب كان الهدف الأساسي تدمير البنية التحتية من قطاع غزة تدميرًا كليًا، من خلال ضرب الطرق بشكل أساسي، مردفاً: اليوم أصبح هناك أكثر من 500 حفرة في غزة يصل عمقها نحو 13متراً، وهناك استهداف لشبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء، فهي دُمرت كليًا وتحتاج لإعادة بناء تامة، بخلاف المؤسسات التعليمية والستشفيات والمدارس.

وأوضح أنه تم تدمير نحو 70 بالمئة من منازل قطاع غزة، وتشير بعض التقديرات المبدئية إلى أن كلقة الخسائر تصل إلى 40 مليار دولار.

وأكد أنه في حالة استمرار الحرب ستكون هناك مشكلة كبيرة جدًا؛ ذلك أن الجانب الإسرائيلي سيدمر كل منازل القطاع، وعند البدء في إعادة الإعمار فإن عملية رفع الأنقاض من قطاع غزة ستحتاج لعدة سنوات ومن الممكن أن تصل لـخمس سنوات وهي فترة طويلة جدًا، وهنا نحتاج لتجريف القطاع الذي أصبح غير صالح للحياة، وهنا عملية إعادة الإعمار تواجه صعوبات عديدة.

ونوه بأن الحرب الحالية على قطاع غزة تعد أصعب حرب مرت في تاريخ القطاع، الأمر لا يتعلق بحروب عاشتها غزة خلال الـ 15 عامًا السابقة، فهذه أخطر وأسرش حرب عاشتها غزة.

تقديرات أولية للخسائر

طبقاً لتقديرات مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل ثوابتة، فإن:

حجم الكلفة الاقتصادية الأولية للإعمار في غزة بسبب الحرب تصل إلى 11 مليار دولار (خسائر مباشرة، بخلاف 12 ملياراً خسائر غير مباشرة)، وبما يشمل تدمير أكثر من 305 ألف وحدة سكنية منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر 2023. من بين الوحدات المدمرة 52 ألف وحدة (تدمير كامل)، و253 ألف وحدة (تدمير جزئي).
وتصل حجم الخسائر في المنازل إلى ما قيمته 7.4 مليارات دولار. وتشير تقديرات إلى خسائر قطاعية مختلفة، ما بين 650 مليون دولار خسائر بالقطاع التجاري، و450 مليون دولار خسائر في القطاع الصناعي، و420 مليون دولار القطاع الزراعي، بحسب الثوابتة.
أما فيما يتعلق بالخدمات، فتصل خسائر القطاع الصحي إلى 230 مليون دولار، والتعليم 720 مليون دولار، والكهرباء 120 مليون دولار، والترفيه 400 مليون دولار. بينما الاتصالات والإنترنت 600 مليون دولار، والنقل والمواصلات 480 مليون دولار.
فيما تشير تقديرات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إلى أن الخسائر من المرجح أن تصل إلى نحو 20 مليار دولار.
تغيير مزاج “الحلفاء”

الدمار الذي لحق بغزة أدى إلى تغيير المزاج العام بين حلفاء إسرائيل الغربيين. وحتى الرئيس الأميركي جو بايدن، أقوى مؤيدي البلاد، انتقد الشهر الماضي “القصف العشوائي”. وقد دفعت فرنسا من أجل هدنة إنسانية بينما دعت المملكة المتحدة وألمانيا إلى “وقف إطلاق نار مستدام يؤدي إلى سلام مستدام”.

ولكن المسؤولين الإسرائيليين أوضحوا أن الضغوط الدولية لن تردع إسرائيل عن ملاحقة أهدافها: تأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وتدمير قدرة حماس العسكرية، وأسر أو قتل قياداتها العليا. وحذر نتنياهو من أن إعادة الإعمار لن تتم إلا بعد أن يصبح القطاع منزوع السلاح و”يبدأ المجتمع الفلسطيني في التخلص من التطرف”.

ويضيف تقرر الفاينانشال تايمز: تقترح الولايات المتحدة والدول العربية والأوروبية أن تشارك السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء محدودة من الضفة الغربية المحتلة، في حكم غزة بعد الحرب.

وواصلت السلطة الفلسطينية دفع رواتب الآلاف من موظفي الخدمة المدنية في غزة منذ سيطرة حماس، وأشارت إلى أنها قد تكون على استعداد للقيام بدور مستقبلي في إدارة القطاع.

ويشير التقرير إلى رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مثل هذه الاقتراحات قائلا إن “غزة لن تكون حماستان ولا فتحستان”. وهو لا يفرق كثيراً بين فتح، التي تهيمن على السلطة الفلسطينية، وحركة حماس.

وطرح بيني غانتس، عضو مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي، الشهر الماضي رؤية لمستقبل القطاع تتضمن احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الكاملة و”الاستيلاء على الأراضي” لتوفير منصة انطلاق للعمليات المستقبلية.

تقول إسرائيل إنها قتلت أكثر من 8000 من مقاتلي حماس الذين يقدر عددهم بنحو 30 ألف مقاتل، وأضعفت ما لا يقل عن نصف كتائبها الـ 24 وقتلت العديد من القادة العسكريين والزعماء السياسيين من المستوى المتوسط.

وانخفض مستوى إطلاق الصواريخ من غزة، مما سمح لجزء كبير من إسرائيل بالعودة إلى ما يشبه الحياة الطبيعية. لكن حماس تواصل القتال داخل غزة ولا تزال تحتجز أكثر من 100 رهينة. ولا يزال كبار قادتها، بمن فيهم يحيى السنوار، طلقاء.

بينما، أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ارتفاعا ملحوظا في تأييد حماس في الضفة الغربية، وارتفاعا طفيفا في تأييد الجماعة في غزة مقارنة بما كان عليه قبل ثلاثة أشهر. وفي كلا المنطقتين تتمتع حماس بمعدلات تأييد أعلى بكثير من فتح.

شاهد أيضاً

هل انتهى محور الممانعة؟

الشرق اليوم– هل انتهى محور المقاومة والممانعة الإيراني؟ سؤال يصح طرحه بعد مرور أكثر من عام على …