بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- منذ 7 أكتوبر يسير الرئيس الأمريكي جو بايدن على حبل مشدود بين الحرب في غزة وعدم توسّع هذه الحرب، لتتحوّل إلى اشتعال إقليمي واسع قد يجرّ الولايات المتحدة نفسها إلى تورط في نزاع شرق أوسطي جديد.
هذه المعادلة قد تكون قابلة للاختراق مع التهديدات التي تتعرّض لها الملاحة في البحر الأحمر بعد هجمات الحوثيين على السفن التجارية وربطهم التوقف عنها بوقف إسرائيل حربها على غزة.
عرقلة الملاحة في البحر الأحمر تنطوي على انعكاسات دولية في ضوء مرور 30 في المئة من السفن الحاملة للحاويات من باب المندب و12 في المئة من إجمالي التجارة العالمية. العديد من شركات الشحن الكبرى في العالم أعلنت عن توقف خطوطها الملاحية عبر باب المندب، واللجوء إلى ممرات بديلة عبر الالتفاف على رأس الرجاء الصالح وعدم المرور بقناة السويس التي تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر ومنه إلى المحيط الهندي.
ولأنّه ليس في إمكان الولايات المتحدة تجاهل مثل هذا التهديد، فقد سارعت إلى تدويل الأزمة عبر إنشاء تحالف بحري قالت إنّه يضمّ 20 دولة، سيضطلع بمهمّة حماية خطوط الملاحة في باب المندب. وفعلاً أسقطت قطع بحرية أميركية وبريطانية وفرنسية مسيّرات واعترضت صواريخ أطلقها الحوثيون في الأيام الأخيرة.
ومع التوتر المتصاعد، ازدادت نبرة الاتهامات الأميركية لإيران بالضلوع في التخطيط للهجمات التي يشنّها الحوثيون، ما يزيد من احتمالات الخطأ في الحسابات، ويهيّئ الأسباب لنشوب مواجهة أوسع في الخليج، ستشكّل امتداداً للحرب في غزة.
وفي الوقت الذي لا تبدو أنّ ثمة احتمالات بممارسة ضغط أمريكي فعلي على إسرائيل لوقف الحرب، فإنّ المخاطر الإقليمية تزداد ربطاً بهذه الحرب، وتبدو معادلة عدم رغبة أميركا وإيران في توسيع الحرب أكثر هشاشة من أي وقت مضى منذ 7 أكتوبر الماضي.
أظهرت المداولات المطولة في مجلس الأمن الأسبوع الماضي، أنّ أميركا لا تزال غير مستعدة لتأييد قرار يدعو بصراحة إلى وقف إطلاق النار في غزة. وقرار توسيع إرسال المساعدات يبقى فارغاً من أي مضمون طالما الحرب مستمرة، لأنّ إيصال المساعدات في ظل القتال لن يكون متاحاً بحسب ما تعلن المنظمات الدولية والإغاثية، في وقت بدأ الجوع ينتشر أكثر فأكثر بين سكان غزة الذين نزح منهم 1.9 مليون من أصل 2.4 مليون، وباتوا يعيشون في مساحة تزداد ضيقاً كلما توسعت العمليات الحربية الإسرائيلية جنوباً.
في ظلّ وضع كهذا، هل يمكن لبايدن التحكّم بمسألة ضبط التوترات الإقليمية من جنوب لبنان إلى باب المندب؟ هذا السؤال يصير أكثر إلحاحاً كل يوم تستمر فيه الحرب على غزة، خصوصاً أنّ العودة إلى مسألة الهدن الموقتة وإطلاق عدد محدود من الأسرى من كل جانب، تبدو مستعصية على جهود الوسطاء.
لا يمكن الاستخفاف برياح التوتر التي تهبّ على باب المندب ومياه الخليج. وهي تبقى عرضة لتطورات مفاجئة من شأنها التأسيس لنزاع جديد.
هذا يؤكّد أنّ كل شيء يعتمد على غزة ومسار الحرب هناك. والحشد البحري الغربي في البحر الأحمر، لم يشكّل حتى الآن عامل اطمئنان لشركات الشحن البحري التي يعلن المزيد منها عن تغيير مساراته وسلوك ممرات أطول وأكثر كلفة.
عوض العمل على احتواء التوترات المتفرّعة عن حرب غزة، ربما كان الأجدر بواشنطن الذهاب بحيوية أكبر نحو وقفها وليس عبر البحث عن الوسائل التي تضمن عدم تمدّدها. لن تأمن أميركا بالطريقة التي تعتمدها حالياً، عدم الانزلاق إلى جبهة جديدة في أي لحظة.