بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- خلافاً لما كان يسعى إليه الاتحاد الأوروبي، في السنوات الأخيرة، بشأن احتواء التناقضات الداخلية بين دوله، وإثبات قدرته على لعب دور مستقل في الساحة الدولية، إلا أنه مع كل يوم يمر يزداد انكشاف عجز الاتحاد، وعدم قدرته على التأثير، وتفاقم التناقضات داخل صفوفه.
بلا شك، أن أوروبا التي وجدت نفسها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تبحث عن موطئ قدم لها كقطب مستقل يلعب دوراً وازناً في الساحة الدولية، سرعان ما اكتشفت أنها واقعة بين قطبين كبيرين، الولايات المتحدة التي كانت تحاول الإبقاء على تحالفها معها من موقع الشراكة وليس التبعية، وروسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، التي استعادت بناء قواها السياسية والعسكرية والاقتصادية، قبل أن يدخل العملاق الصيني على خط المنافسة في قيادة الساحة الدولية.
ومع ذلك، حاولت أوروبا التخلص من التبعية الأمريكية والاعتماد على الولايات المتحدة في حماية أمنها، عبر توحيد صفوفها، وإنشاء قوة أوروبية موحدة، أو جيش أوروبي موحد، ولكنها فشلت حتى الآن في تحقيق هذا الهدف. وبالتالي، ظلت أوروبا تلعب دورها العالمي تحت المظلة الأمريكية وفي إطار حلف «الناتو»، على الرغم من المصالح السياسية والتجارية والاقتصادية التي كانت تفرض نفسها، وتدفعها لإقامة علاقات مع روسيا والصين، ربما أيضاً لإقامة نوع من التوازن مع الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على القارة العجوز.
لكن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في أواخر فبراير/ شباط 2022، قلب الأوضاع رأساً على عقب، إذ وجدت أوروبا أن الحرب تدق أبوابها، حيث تحمست في البداية لمساعدة أوكرانيا، وهبّت لإمدادها بالسلاح والذخائر، وحتى بالمستشارين العسكريين، وغير ذلك، وغامرت بتحمّل أعباء اقتصادية هائلة، بالتخلي عن النفط والغاز الروسيين، وفرض عقوبات على موسكو، إلا أن النتيجة كانت زيادة وتعميق الانقسام بين دول الاتحاد.
والأسوأ أنها اكتشفت، في النهاية، أنها غير قادرة على تلبية احتياجات أوكرانيا، بمعزل عن الولايات المتحدة، وأن واشنطن هي من تمسك بمفاتيح السياسة والاقتصاد، وحتى الدعم العسكري، أي أنها لا تستطيع القيام بدورها بمعزل عن الولايات المتحدة. كما أكدت الحرب الإسرائيلية على غزة انكشاف العجز الأوروبي، وعدم قدرته على لعب دور مستقل، أو حتى إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية بمعزل عن الولايات المتحدة.
وفي المحصلة، يطوي الاتحاد الأوروبي بعد أيام عاماً جديداً، وهو لا يزال غير قادر على الخروج من تحت العباءة الأمريكية، وتوحيد مواقف دوله المتباعدة، لتحقيق حلمه في أوروبا موحدة وقوية ومستقلة، والذي لا يزال بعيد المنال.