بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– يصعب الحديث عن هدنة ثانية في الحرب على غزة، كأنها قد تتم غداً. ويصعب استبعاد الفكرة كلها، كأنها لن تعقد أبداً.
السيناريوهان ماثلان بذات القدر تحت الأفق السياسي المشتعل بالنيران على كافة جبهات الاشتباك داخل القطاع وخارجه.
هناك ما يستدعي التوصل إلى هدنة ثانية بأقرب وقت ممكن، يجري خلالها تبادل أسرى ورهائن وإدخال مساعدات إنسانية أكبر. وهناك في الوقت نفسه ما يدعو لتخفيض مستوى الرهانات في التوصل إليها.
وفق الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يتبنى مشروع الهدنة الثانية، فإن المفاوضات حولها «جادة للغاية» قبل أن يعود بعد أيام ليقول: «إنها ليست قريبة.. ولكننا نضغط».
الضيق الدولي المتصاعد حاضر بقوة في خلفية الاتصالات المعلنة وغير المعلنة في مجلس الأمن وخارجه لوقف إطلاق النار، لكنه مقيد بحق النقض الأمريكي لأي مشروع قرار ينهي أبشع مأساة إنسانية في العصور الحديثة.
إنه طلب وقف إطلاق نار مستدام، لا هدنة ثانية تعقبها عمليات عسكرية جديدة تسقط عشرات آلاف أخرى من الضحايا المدنيين.
بأثر التظاهرات والاحتجاجات الواسعة في الغرب، وداخل الولايات المتحدة نفسها، بدأ التحالف الغربي يتشقق من حول واشنطن الداعمة بصورة مطلقة لإسرائيل وعملياتها العسكرية حتى تُحقق هدفيها الرئيسيين: اجتثاث «حماس» وإعادة الأسرى بأقل كلفة ممكنة.
فيما هو لافت أن أكثر دولتين غربيتين تماهياً مع السياسة الأمريكية، بريطانيا وألمانيا، تدعوان الآن من دون مواربة دعمهما لوقف نار مستدام في غزة من دون أن يكون عند كليهما أي تصور لليوم التالي باستثناء الكلام العام عن «حل الدولتين».
فكرة «الهدنة الثانية» تدخل ضمن التصور الاستراتيجي الأمريكي لإدارة الحرب بصورة أكثر كفاءة مما أبدته إسرائيل في حربها على غزة.
من ركائز ذلك التصور: إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الأسرى والرهائن الإسرائيليين، ووضع جدول زمني لإنهاء العمليات العسكرية، وتبني «الضربات النوعية طويلة المدى» لمنع عودة «حماس» إلى السلطة في غزة بعدما ثبت أن اجتثاثها شبه مستحيل.
بأي نظر في الحقائق السياسية والعسكرية المتداخلة، فإن أي هدنة متوقعة سوف تكون جزئية ومحدودة.
إسرائيلياً: وقف إطلاق النار مستبعد بصورة كلية، إذ قد يُنظر إليه على أنه نوع من الاعتراف بالهزيمة طالما لم تكن هناك علامة نصر واحدة. لذلك تداعيات وحسابات جديدة تضرب أولاً- في تصورها لأمنها وحدود قوتها وقدرتها المتخيلة على فرض هيبة جيشها بالمنطقة، كما فرص تمدد نفوذها الإقليمي.. وتضرب ثانياً- في بنيتها السياسية التي يهيمن عليها اليمين المتطرف وخسارة حكومة «بنيامين نتنياهو» أية فرصة للبقاء في الحكم.
«التفاوض تحت النيران». تلك استراتيجيتها للتوصل إلى هدنة ثانية، حتى لا يكون أمام «حماس» فرص للتشدد في شروطها.
تحت ضغوط الداخل الإسرائيلي المتصاعدة يصعب على نتنياهو تجاهل الملف المزعج.
«أمام حماس أحد خيارين: الاستسلام أو الموت». كان ذلك التصريح الذي أطلقه نتنياهو تعبيراً عن أزمته المستحكمة، فهو لا يتصور أن تنتهي الحرب من دون علامة نصر، يريد تمديدها لشهور أخرى، لكن لا أحد في العالم مستعد أن يضفي عليها أية مشروعية منتحلة بادعاء إنها دفاع عن النفس! هو في حاجة ماسة إلى الدعم الأمريكي المطلق، وإلا وجد نفسه وحيداً ومعزولاً أمام العالم إذا ما صدر قرار أممي بوقف إطلاق النار.
أقل الأضرار بالنسبة له أن يمضي إلى هدنة ثانية محدودة بأقل خسائر ممكنة. ملف الأسرى ليس أولوية لديه، لكنه مجبر عليه.
بالمقابل المقاومة الفلسطينية مستعدة ل«هدنة ثانية مشروطة» تسمح بتخفيف المعاناة الإنسانية غير المحتملة عن أهالي غزة بإدخال معونات ومساعدات مستدامة يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة، وعودة النازحين بترهيب السلاح إلى مناطقهم وديارهم في الشمال.
فلسطينياً: ليست هناك صفقة كاملة لتبادل الأسرى قبل وقف إطلاق نار مستدام.
حدود الصفقة واشتراطاتها جوهر التفاوض. إذا ما خسرت المقاومة تلك الورقة الرئيسية بلا ثمن سياسي حقيقي أوسع من الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، فإن ذلك قد يفضي إلى توسع الحرب لا إيقافها، وتغول آلة القتل لا منعها.