بقلم: محمود أبو بكر- اندبندنت
الشرق اليوم– قبل يومين، أعلنت القاهرة فشل آخر جولة من المحادثات في شأن سد النهضة، بين دولتي المصب مصر والسودان ودولة المنبع إثيوبيا.
ووفق بيان صادر عن وزارة الري المصرية فإن “الاجتماع لم يسفر عن أية نتيجة، نظراً لاستمرار إثيوبيا في المواقف الرافضة ذاتها، لقبول أي من الحلول الوسط، المتعلقة بالجوانب الفنية والقانونية، والتي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتماديها في النكوص عما تم التوصل إليه من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة”.
البيان المصري جاء في نصه أيضاً، أنه “بات واضحاً عزم الجانب الإثيوبي على الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض استخلاص صك موافقة من دولتي المصب على التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق، بمعزل عن القانون الدولي”.
وأضاف “على ضوء هذه المواقف الإثيوبية تكون المسارات التفاوضية قد انتهت، وأن القاهرة ستحتفظ بحقها في الدفاع عن أمنها المائي والقومي في حال تعرضه للخطر”.
وبإعلان القاهرة، انتهاء المسارات التفاوضية التي استغرقت عقداً من الزمن، لإيجاد حلول في شأن السد، تكون قد وضعت ملف السد في وجه النظام الدولي والإقليمي، الذي ترى أنه لم يمارس ضغوطاً كافية تجاه أديس أبابا لدفعها لاتخاذ مواقف أكثر مرونة، تضمن حقوق دولتي المصب في تحقيق أمنها المائي، إذ تعتمد مصر على نهر النيل لتأمين 97 في المئة من حاجاتها المائية.
من جهتها، قالت أديس أبابا إن الجولة الرابعة من المحادثات الثلاثية بين إثيوبيا ومصر والسودان في شأن سد النهضة الكبير فشلت نتيجة “احتفاظ مصر بعقلية العصر الاستعماري” و”إقامة حواجز أمام الجهود الرامية إلى التقارب”.
وأضافت في بيان لوزارة خارجيتها أن “المفاوضات حول المبادئ التوجيهية والقواعد الخاصة بالملء والتشغيل السنوي لسد النهضة، تهدف إلى تعزيز الثقة وبناء الثقة بين الدول الثلاث”، لكن هذا لا يعني حرمان إثيوبيا من حقوقها في استغلال مياه النيل.
وتابع أن “إثيوبيا تود أن توضح بجلاء أنها ستواصل استخدام مواردها المائية لتلبية حاجات الأجيال الحالية والمستقبلية، على أساس مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول”.
واتهمت إثيوبيا “مصر بتصعيد الموقف من خلال إصدار بيان عدائي، عقب المحادثات التي استمرت يومين في أديس أبابا بين 17 و19 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ينتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي”، معلنة رفض أديس أبابا محاولات القاهرة لتحريف مواقفها.
ووفقاً لبيان الخارجية الإثيوبية، فإن المحادثات التي أجريت منذ أن اتفق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 13 يوليو (تموز) الماضي على وضع اللمسات الأخيرة على القواعد والمبادئ التوجيهية في شأن التقديم الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة. وفي غضون أربعة أشهر، ساعدت الدول الثلاث على إجراء مناقشة متعمقة حول القضايا الرئيسة محل الخلاف.
وخلال الجولات الأربع من المحادثات، قالت إثيوبيا إنها “سعت وتواصلت مع البلدين المشاطئين لمعالجة قضايا الخلاف الرئيسة والتوصل إلى اتفاق ودي” على أساس اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 الذي وقعته الدول الثلاث، معربة عن التزامها بمواصلة المحادثات للتوصل إلى تسوية ودية وتفاوضية تلبي مصالح الدول الثلاث، لكن الموقف المصري يعد خروجاً عن المعهود في التعاطي مع ملف السد.
الغياب المصري عن أفريقيا
بدوره، أرجع المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن أبو هاشم، أحد أسباب فشل مسار التفاوض مع إثيوبيا، إلى ابتعاد مصر عن دائرة المحيط الأفريقي لفترة طويلة، وبخاصة دائرة دول حوض النيل، مما أدى إلى تقلص نفوذها، وعدم قدرة مؤسساتها على متابعة التطورات في هذه المنطقة، بما في ذلك حاجاتها المتزايدة للتنمية، في ظل تضاعف عدد السكان.
وتابع “لو أبقت القاهرة على اتصالاتها وعلاقاتها التاريخية بدول حوض النيل لتمكنت مبكراً من تقديم الخدمات الفنية والبدائل الممكنة، لمصادر الطاقة التي تحتاج إليها دول المنبع، مثل الطاقة الشمسية والهوائية بدلاً عن بناء السدود لتوليد الكهرباء، إذ إن المبرر الرئيس لبناء السد بالأصل عائد لحاجة دول المنبع إلى الطاقة الكهربائية، وليس لمنع مجرى نهر النيل عن السريان”.