بقلم: محمد السعيد إدريس – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– كشفت الجولة الخليجية التى زار خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثلاثة عواصم خليجية (أبوظبي والرياض وطهران) عن تطور مهم في نهج الدبلوماسية الروسية، خاصة الدبلوماسية الرئاسية، منذ أن اضطر الرئيس بوتين إلى تقليل تحركاته الخارجية بعد أن صدرت بحقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة “ترحيل أطفال أوكرانيين إلى روسيا”.
جولته الأخيرة التي امتدت إلى 3 أيام (من 6 – 2023/12/8) جاءت مؤشراً لمرحلة جديدة من الدبلوماسية الروسية. فهذه الجولة كشفت عن وجهين لهذه الدبلوماسية الروسية الجديدة؛ الوجه الأول هو الدبلوماسية الجماعية التي جاءت امتداداً لتحولات مهمة تحدث على صعيد الحرب في أوكرانيا وتطوراتها، كما جاءت لتعبّر عن إدراكات لموسكو وحلفائها بضرورة النهوض بروابط التحالف والأمن المشترك، الأمر الذي حفز موسكو إلى انتهاج دبلوماسية جماعية خاصة مع “منظمة الأمن الجماعي” الموالية لموسكو، والتي تضم إلى جانب روسيا كلاً من: بيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان، وقرغيزستان وطاجيكستان، وكذلك مع “رابطة الدول المطلة على بحر قزوين”، وتضم خمس دول هي: روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان.
أما الوجه الثاني، فهو الدبلوماسية الثنائية التي بدأت بزيارة بوتين لقرغيزستان ثم للصين (أكتوبر 2023) وامتدت إلى زيارة بوتين، منذ أيام، إلى دولة الإمارات والسعودية ثم إيران. هذه الدبلوماسية لم تأت من فراغ، فالواضح أن موسكو بدأت تستشعر قدراً من الثقة بإدارة ملف الحرب في أوكرانيا، في ظل متغيرات ثلاثة، أبرزها تغيير موازين القوى العسكرية لمصلحتها في الحرب الأوكرانية، وعزوف دول أوروبية أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عن مواصلة تقديم الدعم العسكري إلى أوكرانيا، وبداية حدوث تحول أمريكي في “الدعم المفتوح” لأوكرانيا.
أبرز من أخذ زمام المبادرة في هذا الاتجاه بعد كل من المجر وصريبا، كانت جمهورية سلوفاكيا، التي أعلن رئيس وزرائها “روبرت فيتسو”، أن بلاده لن تقدم أي نوع من المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، ثم لوحت بولندا، الحليف الأساسي لأوكرانيا، بوقف المساعدات على خلفية خلاف مع كييف حول صادرات الغذاء، ودخلت هولندا على خط الدول التي تستعد للانسحاب من تحالف الدعم العسكري المباشر لأوكرانيا، بعد فوز التيار اليميني المؤيد لروسيا في الانتخابات الأخيرة.
وجاءت الصدمة الكبرى لأوكرانيا، وللرئيس الأمريكي جو بايدن، وإدارته، من الكونغرس نفسه، حيث عرقل أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ طلباً قدمه البيت الأبيض لإقرار حزمة مساعدات طارئة بقيمة 106 مليارات دولار تستفيد منها بالدرجة الأولى أوكرانيا وإسرائيل، بسبب عدم تضمنها إصلاحات في مجال الهجرة يطالبون بها.
كل هذه التطورات جاءت لتشكل “دفعة قوية” للدبلوماسية الروسية، خاصة مع الحلفاء والأصدقاء، سواء على مستوى الدبلوماسية الجماعية، كما هو الحال مع دول “منظمة الأمن الجماعي” (23/11/2023) التي وقع قادتها خلال قمتهم في “مينسك” عاصمة روسيا البيضاء، على حزمة من الوثائق، ركزت على تحديد آليات التحرك المشترك لمواجهة الأزمات وتطوير التعاون العسكري والأمني بين الدول الأعضاء، وكما هو حال اجتماع وزراء خارجية دول رابطة بحر قزوين (موسكو 5/12/2023)، الأمر نفسه يحدث على مستوى الدبلوماسية الثنائية التي بدأت بالصين، وامتدت إلى الخليج، في إشارة روسية مهمة للمكانة الخاصة لدول منطقة الخليج بالنسبة إلى المصالح الروسية، سواء على مستوى التعاون الاقتصادي والاستثماري، أو على مستوى التنسيق المشترك ضمن منظمة (أوبك وأوبك بلس) مع السعودية والإمارات وإيران، أو ما يخص تصعيد روابط التحالف الاستراتيجي مع إيران، في وقت تواجه فيه السياسة الأمريكية أسوأ مراحلها بسبب تداعيات انحيازها الأعمى لإسرائيل في الحرب على قطاع غزة.