الشرق اليوم– منذ أن بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي حروب الإبادة ضدّ المدنيين في قطاع غزة، ارتفعت أعداد الضحايا إلى ما يزيد عن 18 ألف شهيد وقرابة 49 ألف جريح غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ. نصيب الصحافة والصحافيين بلغ حتى الساعة أكثر من 86 صحافياً فلسطينياً كانوا يؤدون واجبهم المهني لأكثر من 50 مؤسسة إعلامية محلية وعربية وعالمية، واستُشهد الكثيرون منهم في ساحات التغطية الميدانية، أو سقطوا مع أفراد أسرهم داخل البيوت أو الملاجئ أو المشافي أو المدارس.
وإذا كان تاريخ علاقة الكيان الصهيوني مع الصحافيين والصحافة يسجل عشرات الوقائع الدامية، التي تنطوي على سياسات منهجية لإخراس الأصوات أو تكميم الأفواه ووأد الحقائق في المهد والدأب على تشويهها وتزييفها، فإنه أيضاً لم يقتصر على استهتار تام بدور الصحافة الحيوي في توفير المعلومة وفضح الانتهاكات والتضامن مع الضحايا، ونهض كذلك على استهانة صريحة بأرواح العاملات والعاملين في الصحافة واستسهال تعريض سلامتهم لأخطار شتى لا تغيب عنها خيارات الاغتيال المباشر.
ولم يكن مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة سوى نموذج عن تلك السياسات الإسرائيلية الحاقدة على الصحافيين والكارهة للصحافة، حيث تدرجت الجريمة من الاغتيال المباشر إلى إنكار المسؤولية وتحميلها لنيران فلسطينية، إلى ترجيح احتمال بندقية إسرائيلية، وصولاً إلى الضرب بعرض الحائط بنتائج تحقيقات مستقلة وذات مهنية عالية أجرتها الأمم المتحدة ومؤسسات إعلامية أمريكية عريقة مثل «سي إن إن» و»واشنطن بوست» و»نيويورك تايمز» لا يُعرف عنها العداء لدولة الاحتلال، وخلصت جميعها إلى مسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل أبو عاقلة.
ليس أقل صفاقة أن يواصل جيش الاحتلال منع الصحافيين غير المقيمين أصلاً في قطاع غزة من الدخول والتغطية بذريعة الحفاظ على سلامتهم وعدم تعريضهم للأخطار، وتلك كذبة افتُضحت تماماً خلال فترات الهدن الإنسانية وتبادل الرهائن والأسرى، حيث ظل المنع ساري المفعول. ولم يكن غريباً أن يميل البيت الأبيض إلى خيار حجب الإعلام الأجنبي من الدخول إلى القطاع، بالنظر إلى أن تحولات الرأي العام ضدّ جرائم الحرب الإسرائيلية سوف تتبلور أكثر فأكثر بتأثير ما كانت وسائل الإعلام ستنقله عن فظائع الجيش الإسرائيلي.
جانب إضافي من العواقب الأخلاقية الناجمة عن تغييب الصحافة يقع على عاتق عدد من كبريات المؤسسات الإعلامية الغربية والأمريكية بصفة خاصة، على شاكلة «سي إن إن» و»إي بي سي» و»إن بي سي» و»نيويورك تايمز» و»فوكس نيوز» التي ارتضت أن يدخل مراسلوها إلى بعض أطراف القطاع تحت سلطة القوات الإسرائيلية وضمن صيغة المرافقة فقط، والقبول بشرط عرض المواد المكتوبة أو المصورة أو المسجلة على الرقيب العسكري الإسرائيلي قبل إرسالها إلى البث أو النشر.
وكي تكتمل الأبعاد الهمجية لهذه السياسة الإسرائيلية، يخضع الصحافيون الفلسطينيون في الضفة الغربية لأصناف شتى من التنكيل والتضييق، والأرقام تشير إلى وجود 44 صحافياً فلسطينياً في سجون الاحتلال، بينهم 29 اعتُقلوا بعد «طوفان الأقصى» تحديداً. وكل هذه المعطيات تشير إلى أن استهداف الصحافيين والصحافة هو الوجه الآخر لحروب الإبادة الإسرائيلية الراهنة ضد قطاع غزة.
المصدر: القدس العربي