بقلم: أمينة خيري- اندبندنت عربية
الشرق اليوم– النقاش الساخن بين عمال المخبز القاهري لم يسفر عن الكثير على رغم الاختلافات الطفيفة بينهم في التوجهات الأيديولوجية، إذ إن أحدهم “شيخ” استمد مشيخته من سماع مقاطع على الـ”يوتيوب” لأحد أشهر مشايخ السلفية، فأطلق لحيته مثله تماماً وخضبها بالحناء كما فعل شيخه ولا يهمه من أمر الانتخابات الكثير، والثاني هواه “إخواني” وما زالت انتخابات عام 2012 التي أتت بالرئيس الإخواني السابق الراحل محمد مرسي رئيساً هي الوحيدة “الشرعية” بالمعنى الديني للكلمة، والثالث متأرجح بين هذا وذاك تارة، وبين أي رئيس قادم يمكِّنه من ادخار “قرشين” يشتري بهم “توك توك” أو يفتح كشكاً أو يبني طابقاً إضافياً في بيت والده في “البلد”، فإن ثلاثتهم تعاملوا مع ما كان مفتي الديار المصرية يقوله على شاشة التلفزيون المثبتة أعلى قسم “الفطائر والبسكويت” بقدر واضح من الارتباك.
ارتباك اقتصادي
الارتباك الاقتصادي الشديد الذي ألقى بظلال بالغة الثقل على حياة المصريين منذ هبوب رياح ما سمي “الربيع العربي”، مع احتدام الثقل وتسارع وتيرته في سنوات ما بعد التعويم المتواتر مضافاً إليه أزمة تفشي فيروس كورونا، وأزمة حرب روسيا في أوكرانيا، وأزمة أولويات المشروعات القومية الكبرى، وأزمة تمويل العاصمة الإدارية الجديدة، وأزمة تأجيل تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وقائمة طويلة من الأزمات، هذا الارتباك يطل برأسه كلما لاحت في الأفق أزمة جديدة أو حان وقت استحقاقات جماعية لا سيما الانتخابية، وعلى وجه التحديد الرئاسية.
الانتخابات الرئاسية، وكذلك التشريعية، إضافة إلى أوقات الأزمات السياسية وأيضاً الاقتصادية وربما الاجتماعية دائماً يصحبها نشاط إفتائي أو على الأقل ذو صبغة دينية واضحة في مصر، هذا النشاط ليس وليد انتخابات اليوم أو الأمس أو حتى أول من أمس. خلطة الدين بالسياسة السحرية، وفي أقوال البعض “الجهنمية”، تستوجب صبغة روحانية تبارك أو تعلل أو تبرر أو تقوي اللاعبين الأساسيين. والعكس صحيح أيضاً في حال كانت الصبغة الروحانية ومن يطلقها تهدف إلى تذكية لاعبين آخرين والدفع بهم إلى سدة الحكم.
ويؤمن البعض في مصر أن تدخل الدين في تفاصيل الحياة الدقيقة والعريضة للمصريين يعني بالضرورة أن يدلو رجال الدين بدلوهم أو بالدلو المتوقع أو المطلوب منهم في تفاصيل بعينها في أوقات بعينها، منها على سبيل المثال لا الحصر الانتخابات الرئاسية. ويخبرنا التاريخ، الحديث والقديم، أنه كلما تزامنت الانتخابات أو المجريات السياسية مع أحداث صعبة أو أوضاع حساسة برز مكون الدين على الساحة وبزغ صوت رجال الدين.
رجال الدين لم يقصروا يوماً
أغلب رجال الدين في مصر لم يقصروا يوماً في تأدية هذا الدور غير المنصوص عليه في ترسانات القوانين أو نص الدستور، باستثناء بعض قوانين الأسرة والمواريث، إضافة إلى المادة الثانية من الدستور حيث “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع”، التي دائماً تثير الجدل كلما لاحت في الأفق فرصة تغيير بين مطالب بالإلغاء ومتشبث بالبقاء.
هذا الدور الذي تحول عرفاً لدى القاعدة العريضة والغالبة من المصريين، مع همهمات معارضة وهمسات منددة من قبل القلة، هو الذي جعل حديث مفتي الديار المصرية شوقي علام، قبل أيام عبر برنامج تلفزيوني عن أهمية المشاركة في الانتخابات، ووضع المشارك فيها في “منزلة الشاهد المسؤول أمام الله عن شهادته” أمراً عادياً ومسألة طبيعية.
طبيعة علاقة الدين بالسياسة في مصر بالغة التشابك والتعقيد والقدم. لم يبتكرها الرؤساء الذين جلسوا على كرسي الرئاسة بعد ثورة يوليو (تموز) عام 1952 أو تم ابتداعها في عصر الملكية أو حتى في عصور الاحتلال أو الاستقلال. عديد من المؤرخين والمحللين كتب عن تدين المصريين المتفرد، وكونه مفتاحاً قادراً على فتح الأبواب المغلقة، والعكس صحيح.
السياسي والمفكر مصطفى الفقي كتب في مقال عنوانه “تدين المصريين” (2019) أن “اكتشاف تدين المصريين ليس أمراً جديداً، فلقد نصح “الإسكندر الأكبر” مستشاروه بأن يذهب إلى “معبد آمون”، وأن يعلن نفسه ابن الإله إذا كان يريد رضا المصريين، وقبول محاولته بناء إمبراطورية في الشرق تصل إلى بلاد فارس وتكون قاعدتها في مصر. وقالوا له إن الطريق إلى قلوب المصريين يمر بدياناتهم. والغريب أن ذات الأمر حدث مع نابليون بونابرت عند وصول حملته الشهيرة إلى مصر، إذ غازل هو الآخر دينهم الإسلامي، وتحدث بأنه مؤمن بما يعتقدون في محاولة منه لكسب الرأي العام وإيجاد حد أدنى من القبول بالغازي الفرنسي فوق أرض الكنانة”. ومضى الفقي شارحاً كيف أن نمط حياة المصريين، قديمه وحديثه، يتمحور تلقائياً حول شكليات التدين وطقوسه المختلفة، وأن التدين يحيط بالجميع من كل اتجاه.
الاتجاه السائد
الاتجاه السائد هذه الأيام هو الانتخابات الرئاسية التي باتت على الأبواب. والباب مليء بالدعوات ذات الإطار والمحتوى الديني الذي يدق على وتر التدين ولا يتوانى عن الربط بين مقدار التدين والمشاركة. “المشاركة الإيجابية في الاستحقاقات الوطنية، ومنها انتخابات الرئاسة، واجب وطني، حيث إن المشاركة الفعالة في الانتخابات وإبداء الرأي الحر الذي تمليه مصلحة الوطن واجب وطني ودليل على التحضر والرقي”، بحسب ما قال مفتي مصر شوقي علام في حديثه التلفزيوني.
وبدا حرص المفتي على عدم الإغراق الديني في الحث على المشاركة في الانتخابات واضحاً. تحدث عن “حبنا لبلادنا” و”انتمائنا لهذا الوطن” و”الاختيار في أي انتخابات وفق معايير حقيقية تؤدي إلى صلاح الوطن” و”ضرورة وزن العملية الانتخابية بالعقل والمفاضلة بين المرشحين بالبرامج والأعمال والقدرة على حماية الوطن والحفاظ على الاستقرار”، لكن بقيت “مشاركة الناخب في منزلة الشاهد المسؤول أمام الله عن شهادته”، وبقي الحديث صادراً عن مفتي الديار.
“إقحام” الدين و”سفينة الوطن”
ويبدو أن المفتي كان يدرك جيداً أن البعض، حتى وإن كانوا قلة في ظل المجتمع المتدين شعبياً وفي القلب من هذا التدين ضرورة الخلط بين الدين والسياسة، سينتقد “إقحام” الدين في الاستحقاق والإفتاء في الانتخاب، فتحدث عن دور علماء الدين في حث المجتمع على المشاركة الإيجابية، مستشهداً بقصص الأولين ومقاصد الشرع وأحاديث نبوية وعلى رأسها “حديث السفينة” التي ركبها قوم، بعضهم أعلاها والبعض الآخر أسفلها، وظن من كانوا أسفلها أنه في الإمكان خرق جسم السفينة السفلي على اعتبار أن ذلك لن يؤذي من يقيمون في الجزء العلوي، وعدم إدراك أن ما يظنونه حرية أو اختياراً شخصياً، إنما هو قادر على هلاك الجميع، وأن الأخذ بأيديهم فيه نجاتهم ونجاة الكل.
“سفينة الوطن” عبارة تتردد على ألسنة كثيرين من قادة الرأي وأصحاب المناصب الرفيعة ومن يفترض فيهم أنهم قادرون على توجيه الرأي العام. من نقيب المعلمين إلى رؤساء اتحادات المصريين في الخارج إلى برلمانيين وحزبيين وكذلك قيادات كنسية، يطل حديث السفينة بكثرة في إشارات بعضها صريح عن قائد السفينة، الرئيس الحالي والمرشح عبدالفتاح السيسي، وبعضها غير مباشر عن ضرورة المشاركة في اختيار القائد الأقدر على قيادة السفينة.
المفتي شوقي علام قال في الحديث التلفزيوني، إن “حديث السفينة” فيه تأسيس لمبدأ الضبط الاجتماعي، حيث غيابه يعني تحول المجتمع إلى العشوائية والتخبط، وتطبيقه يرسخ مبدأ المسؤولية المشتركة التي تتركز على حكمة المسؤولية الفردية والمشاركة الإيجابية.
في عمق الاستحقاقات
وزارة الأوقاف المصرية كانت بدورها حددت “الإيجابية” لتكون موضوع خطبة اليوم الجمعة. ونقلت وسائل الإعلام المصرية عن وزير الأوقاف مختار جمعة قوله إن “المشاركة الإيجابية في الاستحقاقات الدستورية، وفي العمق منها الانتخابات الرئاسية، من صميم الواجب الوطني، والإدلاء بالصوت أمانة ينبغي على كل إنسان أن يعطيها لمن يستحقها ممن يراه قادراً على تحقيق مصالح البلاد والعباد”. وأضاف جمعة أن “على المصريين أن يثبتوا للعالم مدى وعيهم الوطني وقدرتهم على الممارسة الديمقراطية في أعلى درجاتها”.
درجات متفاوتة من الزج، وفي أقوال أخرى التناغم، بين الواجب الشرعي والواجب الانتخابي يزخر بها الأثير. البرامج التلفزيونية والمنصات الإعلامية لا تخلو من الخلطة الكلاسيكية المتصاعدة وتيرتها. فهناك من يتحدث عن “الآثم قلبه”، الذي يشبه المشاركة في الانتخابات الرئاسية بأداء الشهادة ومن يكتمها “فإنه آثم قلبه”. وهناك من اكتفى بالقول، إن الإدلاء بالصوت “أولويات ضرورية”، أو “واجب شرعي” أو “مسؤولية على كل مسلم قادر على التوجه للجان الانتخاب”.
أستاذ الشرعية الإسلامية أحمد كريمة، المثير للجدل دائماً بآرائه التي يعتبرها البعض متشددة والبعض الآخر غريبة، قال قبل أيام إن المشاركة في الانتخابات الرئاسية “واجب شرعاً”، وعدم القيام به مثل كتمان الشهادة من المخالفات التي توعد الشرع فاعلها بالمؤاخذة الدنيوية والأخروية، وأن الانتخابات التي تنظمها الدولة ومؤسساتها هي بمثابة مصلحة لأمن البلاد والعباد، وأن القاعدة الفقهية تقول “حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله، عز وجل”. وذهب كريمة إلى القول، إن “مصر تشهد عرساً دستورياً لانتخاب الأصلح لتولي شؤون البلاد والعباد”، مشيراً إلى أن “طاعة ولي الأمر ومؤسسات الدولة في العملية الانتخابية من الواجبات الشرعية مثل الإدلاء بالشهادة، ومن يكتمها آثم قلبه”.
الاختيار بالقلب
قلوب المصريين دائماً تجد نفسها طرفاً في الاختيار. “القلوب العامرة بالإيمان سيجد أصحابها أنفسهم وقد خرجوا من اللجان الانتخابية بعد أن أعطوا أصواتهم لمن يستحق”، بحسب ما يقول المهندس المتقاعد أحمد الكاشف (70 عاماً)، الذي رفض التصريح باسم المرشح الذي سيختاره، مكتفياً بالإشارة إلى قلبه بيد بينما اليد الأخرى ممسكة بسبحة ويقول “سأختار من يراعي ربنا فينا بالفعل”.
“رئيس يراعي ربنا فينا” عبارة تقلب كثيراً من الذكريات السعيدة للبعض والتعيسة للبعض الآخر من مسيرة مصر الحديثة مع انتخابات الرئاسة، وتحديداً سنوات ما بعد أحداث يناير (كانون الثاني) 2011. فمن رغبة في “رئيس يراعي ربنا فينا” في عام 2012، أتت بالراحل محمد مرسي رئيساً، التي تحول رفض ما أسفرت عنه، بحسب مناهضي حكم جماعة الإخوان المسلمين، إلى رفض للدين وحرب ضد المتدينين، وصولاً إلى معاودة رفع رأيه “رئيس يراعي ربنا فينا” مجدداً في كل انتخابات رئاسية من قبل المنتمين للجماعة والمتعاطفين معها ولكن في إشارة مبطنة إلى أن كل من لا ينتمي إلى جماعة دينية أو سلفية هو رئيس لا يراعي ربنا في الناس. تدور رحى الدين، مع الرئيس، مع الانتخابات، مع آمال المصريين، مع الدعاية الانتخابية، وجميعها يحمل خلطة سحرية تخلط الدين أو الروحانيات بالسياسة، إما لصالح الرئيس، أي رئيس، أو للنكاية به.
خلطة “روحانية”
هذه الخلطة “الروحانية” لم تعد تقتصر على المؤسسات الدينية الرسمية فقط، بل ضلع فيها وأحياناً سيطروا وهيمنوا، رجال الدين من المنتمين لجماعات الإسلام السياسي بأطيافها. فلجماعة “الإخوان المسلمين” مفتٍ، وللجماعات “السلفية والجهادية” وغيرها مفتون، وكل منهم يدلو بدلوه الذي يتلون بألوان ورؤى يفصلها هؤلاء مستخدمين الدين والشرع والفقه لتناسب “مقاسات” الجماعة.
القاعدة العريضة من المصريين لا يستوقفها هذا التلوين أو يزعجها كثيراً هذا التداخل. آخرون إما يرفضون الرؤى والتبريرات والمحفزات الدينية التي تدعم ساسة ترفضها جماعاتهم أو يرفضون عملية التلوين الديني من الأصل.
توظيف سياسي للفتوى
ويظل التوظيف السياسي للفتوى توظيفاً متجذراً، يحبه البعض تارة، ويتمسكون بتطبيقه، ويرفضونه تارة أخرى ويصمون فحواه بالتلون والمحاباة، لكن المحصلة النهائية هي أن فتح أبواب الفتاوى والآراء الدينية ذات الطابع السياسي فتحت أبواب التناحر الديني والصراع الأيديولوجي على كل درجات طيف الإسلام السياسي بينها وبين بعضها، وبينها وبين الأنظمة الحاكمة.
وفي مقال عن دور الفتاوى الدينية وضلوعها في التفاصيل الدقيقة لحياة الناس، ومنها السياسة، كتب الكاتب والطبيب السوري الأميركي عماد بوظو (في عام 2021)، “بما أن الإسلام السياسي في حالة خلاف دائم مع الأنظمة الحاكمة فقد أوجد مرجعياته الدينية الخاصة به، التي تختلف مع المراكز الدينية المرتبطة بالحكام وكانت مهمتها الرئيسة انتقاد الفتاوى التي تصدرها المراكز الدينية الرسمية، وتفنيدها والتشكيك في صحتها مما ضاعف من فوضى الفتاوى”.
فوضى الفتاوى
فوضى الفتاوى أو على الأقل كثرتها، بين من يجعل من الممتنعين عن المشاركة في الانتخابات “آثمين شرعاً”، أو من يصم من يصوت لفلان وليس علان بكراهية الدين أو من ينعت من يختار “علان” لا “فلان” بمعاداة المتدينين، جعلت من الفتاوى السياسية والفتاوى المضادة السياسية ساحة خاصة بها، وساحة مضادة مخصصة للرد عليها، وكلاهما أداته الدين وغايته المتدينون.
وحول ذلك يتفق المحللون على أن دولاً عدة، لا سيما العربية منها، أجمعت على توظيف الدين كمصدر للقوانين واحتواء المؤسسات الدينية من قبل الأنظمة الرسمية، إيماناً واعترافاً منها بأهمية الدين وقوة تأثيره على المواطنين أو ربما إيماناً من المحللين أنفسهم بأن الدين لا بد أن يكون في القلب من التأثير على المواطنين.
“في مصر على سبيل المثال، يتم تعيين شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية، إلى جانب تعيين أئمة المساجد والزوايا من قبل السلطة الرسمية، كما أن جماعة الإخوان المسلمين اتخذت من “الإسلام هو الحل” شعاراً لها” بحسب ما جاء في دراسة “استخدام الدين في الحياة السياسية” للباحثين في قسم العلوم السياسية بـ”جامعة حلوان” أحمد خميس ومحمد الطيار (2021). وتشير الدراسة إلى أن استخدام الدين لتوجيه الرأي العام في دول عربية عدة يعود لأسباب مثيرة، منها المكانة الاجتماعية للدين، إذ ما زال الدين لاعباً رئيساً في تشكيل السلوك السياسي، لا سيما أن نموذج الدولة القومية لم ينجح في تخليص النشاط السياسي من الدوافع والمطالب والمؤثرات الدينية.
الدين والسلوك السياسي
ويظهر هذا واضحاً، بحسب الدراسة، في تأثير الدين على السلوك السياسي بشكل عام، لا سيما توجيه الرأي العام، كما تستخدم الأطراف جميعها سواء الدولة أو غيرها من القوى الاجتماعية الدين كأداة. وعلى سبيل المثال، يستخدم الدين من قبل البعض أداة لنشر التسامح، ومن قبل البعض الآخر لنشر التعصب. خلاصة القول، إن الدين يتم توظيفه في المجال العام في عديد من الدول العربية، وليس مصر فقط، ولكن في الحالة المصرية، تم توظيف الدين أثناء حكم الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك لكسب التأييد والشرعية للنظام، لا من قبل المؤسسات الدينية الرسمية فقط، ولكن عبر رجال دين تابعين لجماعات، منهم على سبيل المثال رئيس جمعية “أنصار السنة المحمدية”، القيادي في التيار السلفي محمود عامر، الذي أطلق فتوى تجيز توريث الحكم لجمال مبارك، نجل الرئيس الراحل، وأخرى أهدر فيها دم السياسي والدبلوماسي السابق محمد البرادعي في أعقاب دعوة الأخير لعصيان مدني أثناء حكم مبارك. وتمتد استخدامات الدين للسياسة، والسياسة للدين إلى عصري الرئيسين الراحلين محمد أنور السادات وجمال عبدالناصر.
كما يتم إطلاق فتاوى وآراء دينية تحرم التظاهر ضد الأنظمة تارة، وتدعو للتظاهر ضد الأنظمة تارة أخرى، ولتبرير الثورة ضد الحاكم تارة، ولتجريم الخروج على الحاكم تارة أخرى، وهلم جرّا.
جرى العرف الشعبي والسياسي وكذلك الديني على أنه كلما رفعت مصر راية “مصر تنتخب”، أو “مصر تفكر” أو “مصر تقرر”، تصدر آراء دينية توجه الدفة صوب اليمين أو في اتجاه اليسار، وربما تحرم هذا وذاك إن انتفى فيهما الهوى الأيديولوجي المنشود. ولأن الآراء الدينية باتت تصدر مع وضد، وأصبحت في عصر الـ”سوشيال ميديا” تتسع للفتاوى الصادرة عن الجماعات المختلفة وكذلك الأفراد الذين ينصبون أنفسهم عالمين بأمور الدين، ولم تعد حكراً على المؤسسات الدينية الرسمية فقط، فإن مواسم الانتخابات والاختلافات حول المرشحين أصبحت مواسم للفتاوى والاختلافات في الفتاوى الصادرة عنهم وضدهم. المؤكد أن ثالوث الدين والسياسة والانتخابات يفرض نفسه على المصريين، وربما يفرضه المصريون على أنفسهم أو يرتضونه باعتباره تحصيل حاصل، لكن الطريف هو أن نسب المشاركة في الانتخابات عبر عقود التاريخ الحديث التي لم يتعد بعضها نسبة الـ30 في المئة تقف على طرف النقيض من فتاوى التحريم وكذلك التحفيز. أما ماهية الاختيار خلف ستار الصندوق المغلق، فيبقى سراً بين الناخب وربه، بغض النظر عما جاء في الفتوى أو ما لمحت به الخطبة.