بقلم: سميح صعب- النهار العربي
الشرق اليوم– أكثر من ملاحظة تلفت الانتباه في الزيارتين اللتين قام بهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية الأربعاء.
أولاً، هذه هي المرّة الأولى منذ بدء الحرب الروسية -الأوكرانية في 22 شباط (فبراير) 2022، التي يزور فيها بوتين بلداناً خارج دول الاتحاد السوفياتي السابق، باستثناء الصين.
ثانياً، أتت الزيارتان بعد قرار أعضاء في تحالف “أوبك+” تمديد خفض انتاج النفط للحفاظ على استقرار الأسعار.
ثالثاً، تزامنت الزيارتان مع ذروة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ودخول الشرق الأوسط في مرحلة جديدة من الاضطرابات والتحولات التي ستنجم عن الحرب.
رابعاً، ترافقت الجولة الخليجية مع دخول النزاع الأوكراني في طريق مسدود ونقطة مفصلية بسبب ما أدّت إليه الخلافات الأميركية الداخلية من تجميد للمساعدات التي طلبها البيت الأبيض لأوكرانيا في الكونغرس.
وثمة مسألة مهمّة تنبغي الإشارة إليها، وهي أنّ بوتين بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي بدأ الصيف الماضي، وانتهى إلى نتائج متواضعة، بدأ يشعر بالارتياح وبامتلاك اليد العليا في الميدان والسياسة.
تُضاف إلى ذلك إمارات التعب التي بدأت تظهر على المعسكر الغربي الداعم لكييف، ما يعني أنّ احتمالات التفكير في الولايات المتحدة وأوروبا في الخيارات الدبلوماسية، لم تعد مستبعدة، كما لو أنّ القوات الأوكرانية قد نجحت في هجومها المضاد ودفعت القوات الروسية إلى خارج الحدود الدولية أو وصلت إلى مشارف شبه جزيرة القرم.
أما لماذا اختار بوتين الإمارات والسعودية للجولة الخارجية الأولى التي يقوم بها منذ بدء الحرب، فذلك عائد إلى الدور المحايد الذي وقفته الدولتان حيال الحرب، ورفضهما طلب الولايات المتحدة أكثر من مرّة زيادة انتاج النفط من أجل تعويض أوروبا النقص الحاصل بسبب العقوبات على روسيا.
كما أنّ السعودية والإمارات هما عضوان في تحالف “أوبك+” منذ نشأته عام 2016، وقد بات التكتل هو المقرّر للسياسات النفطية في العالم، ولم تعد السوق خاضعة لتقلّبات الولايات المتحدة أو رغباتها والمرتبطة مباشرة بالعوامل الجيوسياسية.
إنّ الحفاظ على تماسك “أوبك+” في ذروة الحرب الروسية – الأوكرانية، كان عاملاً مهمّاً في الحؤول دون حصول هزّات في السوق النفطية.
ويجب ألاّ يغيب عن البال، أنّ “أوبك+” والخفوضات التي أقرّتها منذ أكثر من عام قد لعبت دوراً في إحباط قرار الغرب وضع سقف لسعر النفط الروسي، وتالياً، مكّن ذلك بوتين من تجنيب الاقتصاد الروسي خسائر كبيرة.
لقد امتنع بوتين منذ بدء الحرب عن حضور قمم مجموعة العشرين ومجموعة “بريكس”، وذلك من أجل تجنيب الدول التي كانت تُعقد فيها هذه القمم الإحراج، بسبب مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه على خلفية اتهامه بالتورط في نقل أطفال أوكرانيين إلى روسيا خلال الحرب.
وحال هذا دون ذهاب بوتين إلى نيودلهي وإلى جوهانسبرغ في الأشهر الأخيرة. والزيارة الأخيرة التي قام بها بوتين كانت للصين في تشرين الأول (أكتوبر).
وإذا ما ربطنا سلسلة الأحداث الإقليمية والعالمية بتوقيت جولة بوتين الخليجية، يمكن الاستنتاج أنّ روسيا التي انكفأت عن الشرق الأوسط منذ بدء الحرب في أوكرانيا، تطمح بلا شك إلى استعادة هذا الدور. وبينما تبدو الولايات المتحدة وسيطاً مشكوكاً فيه، قد تجد موسكو فرصة لإثبات حضورها على الساحة الشرق أوسطية برضا أكثر من طرف.
ويجد الفلسطينيون والدول العربية في روسيا شريكاً أقرب إلى تفكيرهم في المقاربات المطروحة، وفي مقدّمتها التشديد على ضرورة منح الفلسطينيين حق تقرير المصير وصولاً إلى إقامة دولتهم على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
يطلّ بوتين اليوم على الشرق الأوسط من بوابة الخليج، مع ما ينطوي عليه ذلك من رمزية ودلالات من المؤكّد أنّ الولايات المتحدة تجيد قراءتها.