الرئيسية / مقالات رأي / ماكرون يستعيد توازنه

ماكرون يستعيد توازنه

بقلم: أسعد عبود- النهار العربي
الشرق اليوم– ما الذي حمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تغيير موقفه من الحرب في غزة؟ سؤال يستحق الغوص في الأسباب التي دفعت إلى هذا التغيير، بعد سلسلة من التصريحات المؤيدة لإسرائيل.

كان ماكرون من أوائل الزعماء العالميين الذين زاروا إسرائيل بعد هجوم “حماس” على مواقع عسكرية ومستوطنات في غلاف غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وذهب إلى حد اقتراح إنشاء تحالف دولي لمحاربة الحركة على غرار التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لمقاتلة تنظيم “داعش” عام 2014. كما أصدرت الحكومة الفرنسية حظراً على التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين.

ومن هنا وجه الغرابة في التصريح الذي أدلى به ماكرون السبت وأبدى فيه “تشكيكاً” في امكان تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية، متسائلاً: “هل يمكن فعلاً القضاء الكامل على حماس، المضي في هذا الأمر يحتاج إلى حرب تستمر عشر سنوات”. ودعا إلى وقف نار إنساني دائم.

تبدل جذري في موقف ماكرون الذي سيجلب عليه انتقادات إسرائيلية بلا شك. لكن الرئيس الفرنسي بدأ يقترب بذلك أكثر من رئيسي الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز والبلجيكي الكسندر دي كرو، اللذين تميزا في مواقفهما من الحرب، وذهبا إلى ملامسة جوهر القضية الفلسطينية بتاريخيتها، وعدم التعامل مع المسألة وكأنها نشأت في 7 تشرين الأول. وبعد لندن، كانت مدريد وبروكسيل من أكثر المدن التي شهدت تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ومنددة بالحرب.

ما لا بد من التوقف عنده، أن فرنسا كانت من أوائل الدول الأوروبية التي اعترفت للفلسطينيين بحق تقرير المصير، وباريس هي التي توفي فيها ياسر عرفات بعد تدهور حالته الصحية في رام الله عام 2004.

وباريس من الدول التي دعمت حل الدولتين ونددت بالاستيطان وحذرت من الانعكاسات الخطيرة والاستفزازية التي يقوم بها المستوطنون.
ولذلك، كان مستغرباً الموقف الذي اتخذه ماكرون بعد 7 تشرين الأول. أما في موقفه الاخير السبت الماضي، فإن ذلك يعيد فرنسا إلى مواقفها التقليدية من الصراع العربي-الإسرائيلي، والمتمايز إلى حد كبير عن الموقف الأميركي المؤيد تأييداً مطلقاً لإسرائيل.

والأهم من ذلك، أن الموقف الفرنسي الأخير من شأنه أيضاً أن يكبح من تصريحات قادة في الاتحاد الأوروبي يدعون إلى الحرب ويرفضون وقفاً دائماً للنار، على غرار المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيسة الوزراء الايطالية جيورجيا ميلوني ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وزعيم حزب الحرية الهولندي اليميني المتطرف غيرت فيلدرز الذي تصدر الانتخابات التشريعية في هولندا وهناك احتمال كبير في أن يتولى رئاسة الوزراء.

إن وقوف ماكرون في المنتصف والتراجع عن موقفه السابق يعد أمراً مهماً في سياق تصحيح الموقف الأوروبي من القضية الفلسطينية ومن مسألة الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والأعداد الهائلة من الضحايا في صفوف المدنيين وغالبيتهم من النساء والأطفال. ولعل هذا الأمر من المسائل التي حملت ماكرون على تحديث رأيه.

بعد موقف ماكرون، يتعين على الاتحاد الأوروبي مجتمعاً أن يجري مراجعة سريعة لمواقفه وأن يدعو إلى وقف دائم للنار، حتى ولو امتعضت الولايات المتحدة، ورأت فيه تصدعاً في الموقف الغربي من دعم إسرائيل في مواجهة “حماس”، في حين المسألة لا تعني الحركة فقط وإنما تتصل بالموقف من الشعب الفلسطيني ككل ومن حقه في تقرير مصيره كأي شعب آخر في العالم.

إن من الأهمية القصوى اليوم، النظر إلى القضية الفلسطينية بكل أبعادها وليس من حدث بعينه، ومن نظرة شاملة كهذه، ستبقى هذه القضية لغماً قابلاً للانفجار في أي لحظة وعند أي منعطف في المسارات الإقليمية والدولية.
عسى أن يكون التحول في النظرة الفرنسية، بداية لموقف أوروبي موحد يرفض استمرار الحرب إلى ما لا نهاية.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …