بقلم: أسعد عبود- النهار العربي
الشرق اليوم– مع انتخاب الليبرالي المتطرّف خافيير ميلي الوافد حديثاً إلى السياسة والمثقل بأفكار شعبوية وبنظريات المؤامرة، رئيساً للأرجنتين الأسبوع الماضي، تكون البلاد دخلت في مرحلة جديدة تشبه تلك التي شهدتها البرازيل مع تولّي اليميني المتطرّف جايير بولسونارو الرئاسة بين عامي 2019 و 2022.
وليس غريباً أن يكنّ ميلي الإعجاب لبولسونارو ويتبنّى شعاراته في معاداة الاشتراكية والقطاع العام، وأن يكون الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هو النموذج الذي يحتذيانه.
أوصل بولسونارو البرازيل بسياساته إلى قمّة الانقسام الداخلي وعمّق أزمتها الاقتصادية. ويأتي اليوم ميلي رافعاً شعار جعل الأرجنتين “دولة عظيمة”، ويعلن أن لا خلاص من الانهيار الاقتصادي إلاّ باعتماد الدولرة، مهما كان الثمن، وتخصيص معظم الشركات التي تملكها الدولة إن لم يكن كلها، وبإلغاء نظام التقديمات الاجتماعية التي يعيش عليها 51 في المئة من سكان الأرجنتين، من دون أن يقول كيف يمكن ذلك في بلد يأتي في المرتبة الأولى على صعيد المديونية العامة البالغة 150 مليار دولار، ويكافح كي يحصل على تسهيلات من صندوق النقد الدولي لدفع فائدة أكبر قرض يمنحه الصندوق في تاريخه لبلد ما، والبالغ 44 مليار دولار عام 2018.
لا جدال في أنّ الأرجنتين التي يبلغ فيها التضخم 143 في المئة، هي بلد يواجه مخاطر الإفلاس، علماً أنّها تُعتبر من الاقتصادات الناشئة، وهي عضو في مجموعة العشرين. لكن هل “العلاج بالصدمات” الذي يقترحه ميلي هو الترياق الذي يمكن أن ينتشل البلاد من أزمة اقتصادية وجودية؟
وهل إعادة النظر في العلاقات مع أكبر شريكين تجاريين، الصين والبرازيل، وفق ما يوحي ميلي، من الممكن أن يساهم في إنعاش اقتصاد الأرجنتين؟ وهل الإتكال بالكامل على ما يسمّيه الرئيس المنتخب “العالم الحرّ”، يمكن أن يساعد في إعادة تأهيل الاقتصاد ووضعه على المسار السليم؟
وفضلاً عن كل ذلك، كيف يمكن أن تخدم مسألة إعادة الاعتبار لجنرالات الحكم العسكري بين عامي 1976 و1983، في تنشيط الاقتصاد، علماً أنّ هذه مسألة مثيرة للجدل في الأرجنتين، ولا تزال عائلات بكاملها تبحث عن أقاربها الذين اختفوا قسرياً إبان الحقبة العسكرية، لمجرد الشبهة بوجود ميول يسارية لديهم.
إنّ ميلي يجازف بإثارة انقسام جديد في المجتمع الأرجنتيني، من طريق تصوير أنّ الحكم العسكري كان على حق في قمع المعارضين الذين وصفهم بأنّهم حفنة من “المخرّبين”.
لا ينقص الأرجنتين هزّات اجتماعية وسياسية بعد الهزّات الاقتصادية، وأي خطوة في هذا الاتجاه يمكن أن تلقى معارضة شعبية قوية.
يصف ميلي نفسه بأنّه “رأسمالي فوضوي”، أتى ليضع حداً لمرحلة الحكم البيروني التي يعتبرها مسؤولة عن الانهيار الاقتصادي في السنوات الأربعين من الحكم الديموقراطي الذي تلا الحكم العسكري.
لكن الرئيس المُنتخب، يبالغ في استنتاجاته وفي أحكامه على فترة شهدت صعوداً وهبوطاً في منزلة البلاد الاقتصادية، بينما لم يقدّم العسكريون النموذج الذي يمكن أن يُحتذى من خلال قمع الحرّيات واختفاء آلاف الناس بعد زجّهم في السجون.
من المؤكّد أنّ الأرجنتين تمرّ بمرحلة مفصلية. ومع حلول الشعبوية محل البيرونية، لا يمكن التفاؤل بما سيكون عليه مستقبل البلاد، التي تحتاج قبل كل شيء إلى وحدة داخلية للتغلّب على الأزمة الاقتصادية، وليس باستجرار خصومات وعداوات في المنطقة والخارج.
في البرازيل والمكسيك وكولومبيا وفنزويلا ينظرون بقلق إلى وصول التيار اليميني المتطرّف بأكثر تجلّياته شعبوية، إلى قمّة السلطة في الأرجنتين.
الأرجنتين، بعد البرازيل، ثاني أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، وأزمتها الاقتصادية والمالية، لا تبعث برسائل طمأنة إلى بقية دول المنطقة. لكن البحث عن العلاجات يجب أن يكون خارج الخطاب الشعبوي الذي أخفق في البرازيل، ويعمّق الانقسامات في الولايات المتحدة.