بقلم: عبدالله السناوي- الخليج
الشرق اليوم– بتوصيف ما لصفقة تبادل الأسرى والرهائن، فإنها أكبر من هدنة إنسانية وأقل من وقف إطلاق نار مستدام. إنها بالضبط هدنة موقوتة، مرشحة للانفجار في أية لحظة.. وسيناريوهات ما بعدها مفتوحة على رهانات متناقضة.
الهدنة فرصة التقاط أنفاس لأربعة أيام، عنوانها الرئيسي: «إدخال معونات ومساعدات غذائية وطبية وإمدادات وقود إلى القطاع المحاصر». هذا مطلب دولي ضاغط ومُلِحّ على الضمير الإنساني. تمديد الهدنة خيار شبه إجباري لاستكمال صفقة الأسرى والرهائن، التي ينص الاتفاق أن تكون على مرحلتين على الأقل:
أولاهما، الإفراج عن الأطفال والنساء، وهذه أولوية ذات طابع إنساني. وثانيتهما، ملغمة بال حسابات والتعقيدات السياسية وردات أفعالها، حيث تطلب «حماس» تنظيف السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن العسكريين الإسرائيليين.
لكل فعل حساب سياسي. بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فإن الصفقة قد تفضي تداعياتها إلى تقويض أية فرصة أمامه للبقاء في موقعه.
توصف الحرب على غزة بأنها حرب نتنياهو، فهو يطلب تمديدها آملاً في علامة نصر تساعده على تجديد الثقة به.. لكنه يصطدم بحقائق لا يستطيع تجاهلها، أو يقدر على تحديها.
هناك أزمة مماثلة تعترض الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يطمح لتجديد ولايته في الانتخابات الرئاسية المقبلة. شعبيته انخفضت على خلفية حرب غزة بصورة تستدعي المراجعة حتى لا يخسر فرصه الانتخابية، فقطاعات واسعة داخل حزبه الديمقراطي، خاصة في جناحه اليساري، والأمريكيون السود، وبعض جماعات اليهود، ينتقدون إدارته للحرب في غزة. كما اهتزت صورة بلاده في منطقة الشرق الأوسط، بما ينذر بتقوض سمعتها وهيبتها والثقة فيها، كما لم يحدث من قبل.
بأي نظر في التفاعلات والتداعيات المحتملة، فإن الدور الأمريكي سوف يكون جوهرياً في تقرير ما بعدها. الهدنة الموقوتة تسمح بمسارين متناقضين، أن تكون خطوة لإيقاف الحرب، أو أن تكون محطة لتصعيدها. لكل مسار تكاليفه وأثمانه وتداعياته على الصراع العربي الإسرائيلي، كما على مستقبل الشرق الأوسط كله.
مسار العودة للحرب مُلَغَّم هو الآخر بحساباته وتعقيداته. لا أحد له الحد الأدنى من الإنسانية، مستعد أن يشهد صامتاً مرة أخرى جرائم الحرب المروعة في غزة.
القرار الحاسم في مسار التداعيات تصنعه ديناميات الرأي العام الدولي، الذي روعته مشاهد حرب الإبادة، وعمَّت تظاهراته واحتجاجاته المدن الغربية الكبرى.
يصعب أن تتحدى الدول الغربية، التي وفرت غطاءً سياسياً وعسكرياً لآلة الحرب الإسرائيلية، إرادة قطاعات واسعة من مواطنيها التي تدعو إلى وقف الحرب فوراً. تمدد الحرب من دون قدرة على حسمها، يضرب في جذر نظرية الأمن الإسرائيلي التي تأسست منذ نشأة الدولة العبرية، أن تكون الحروب خاطفة وخارج أراضيها.
إذا ما عاد الآن قطاع من المستدعين للاحتياط، فإن ذلك يطرح سؤالاً لا إجابة عنه:
وماذا عن الباقين.. ومتى؟ هناك أكثر من حساب وراء إقرار نتنياهو لصفقة الهدنة الموقوتة.
الأول، انتخابي، حيث تُلِحّ أغلبية كبيرة من الإسرائيليين على أولوية الإفراج عن الرهائن. والثاني، استراتيجي، يعمل على عدم اتساع التباينات مع الإدارة الأمريكية في مواجهة استحقاقات الحرب ومخاطرها، إذ يكاد يستحيل أن تمضي إسرائيل في الحرب من دون غطاء أمريكي كامل.
إذا عادت طبول الحرب تقرع من جديد، فإن سيناريو التهجير القسري سوف يطل برأسه على مستقبل ومصير سيناء. لم يكن إصرار الجيش الإسرائيلي عند بدء الهدنة الموقوتة على عدم عودة الفلسطينيين، الذين اضطروا للنزوح إلى جنوب غزة من العودة للشمال إجراء عشوائياً، بقدر ما كان تعبيراً عن توجه استراتيجي لم يجرِ التخلي عنه، رغم التطمينات الأمريكية التي تلقتها مصر.
إذا أوقفت آلة الحرب الآن، وهذا احتمال لا يمكن استبعاده، فما هي المعادلات والحسابات التي تحكم اليوم التالي؟
في كل السيناريوهات والاحتمالات لن تعود القضية الفلسطينية إلى ما كانت عليه قبل الحرب على غزة.