بقلم: عبد اللطيف المناوي- المصري اليوم
الشرق اليوم– «هل قتلت فلسطينيًا اليوم؟». هكذا أرهب المروجون للمقاطعة، معتمدين على رد الفعل البسيط المباشر الذى يربط ذهنيًا بين شراء سلعة تحمل علامة دولية وبين التسبب فى مقتل فلسطينى. التساؤل فى حد ذاته مخيف، والأكيد فى إطار الضغط النفسى الواقع علينا جميعا أن رد الفعل التلقائى هو النفور من مجرد التفكير فى الشراء، ولا مانع من بعض التعبير الذى يحمل ملامح عنف لتأكيد البراءة من دم الفلسطينيين.
وكما قلنا فى السابق فإن منطق العقل إن وجد مساحةً هادئةً، وتوقف للتفكير بعيدًا عن الضغط النفسى، لكانت المواقف مختلفة.
احتفى كثيرون بما بدا نجاحًا للحملة، وتسابق كثيرون فى تصوير محال تحمل علامات دولية خالية، أو منتجات متراكمة تبحث عمن يشتريها. ويحاول أصحاب هذه الأعمال من المصريين إقناع الرأى العام الغاضب بعدم صحة الربط، ويقدمون إغراءات متعددة، كتخفيض الأسعار أو طرح عروض مغرية، لعل ذلك يساعد فى تخفيف الضغوط على هذه العلامات.
وهناك العديد من الأسباب التى تُسقِط حجة هذه الدعوات ومخاصمتها للمنطق والمصلحة العامة، وقبل توضيح ذلك أنقل ما قرأته لأحد خبراء الاقتصاد بأن هذه المقاطعة أول ما يصيبها هو أنها مقاطعة حادت عن الهدف، بل تصل أحيانا إلى كونها «مقاطعة كاذبة»، لأن أكثر ما لا يدعم الفلسطينيين هى الشركات صاحبة وسائل السوشيال ميديا، إذ يمنعون نشر أى فيديو يكشف العنف الإسرائيلى، ويمكن بسهولة ملاحظة كيف تكتب بعض الكلمات الدالة والكاشفة بطريقة مجزأة، خوفا أو احتراما، خشية تجاوز قواعد هذه المنصات التى تمنع بشكل غير مباشر كشف الجرائم الإسرائيلية. ومع ذلك لم يقاطعها أحد!!
إن أى استثمار أجنبى فى مصر يعتمد على العمالة المصرية بنسبة 95%، ما يساهم فى تحسين مستوى المعيشة وتقليل معدلات البطالة، ويخلق نوعًا من المنافسة مع المنتج المحلى أو أى منتج آخر، ومن غير المنطقى أن نسعى للاستمرار فى ارتفاع معدلات الركود فى السوق المصرية، وهو ما قد يدفع بعض الشركات إلى الهروب بتلك الاستثمارات من مصر، وبالتأكيد سيتسبب ذلك فى إلحاق ضرر بالاقتصاد القومى المصرى، وبالتالى سيُضَر الاقتصادى الفردى للأسرة جراء قلة فرص العمل.
قطاع الصناعات الغذائية بمفرده يشغل أكثر من 3 ملايين عامل بشكل مباشر وغير مباشر، وكل عامل فى كل شركة وراءه عشرة آخرون فى صناعات أخرى فى دورات إنتاجية، ونصيب المستثمر المصرى أو العربى والشركات الخادمة لهم تشكل 95% من الإيرادات.
إن إيرادات الشركات الحاملة لعلامات تجارية عالمية لا تُشكل واحدًا فى الألف من إيرادات الشركات الكبيرة.
لذا يحزننى عندما أقرأ عن عمال مصريين يخسرون أعمالهم كل يوم نتيجة خطأ تحديد الهدف، لذا فبدلا من ترويج فكرة المقاطعة بجملة «هل قتلت فلسطينيًا اليوم؟»، أرى أن نسأل أنفسنا قبلها «هل تسببت فى قطع عيش مصرى اليوم؟».