بقلم: أسعد عبود- النهار العربي
الشرق اليوم– على وقع ارتفاع أعداد الضحايا بين المدنيين في الحرب الإسرائيلية على غزة، تزداد الانشقاقات في صفوف الموظفين الأميركيين في مختلف الوكالات الحكومية المعنية بالسياسة الخارجية.
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” رسالة من 500 موظف أميركي طالبوا فيها الرئيس جو بايدن بالدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وبلجم الحملة العسكرية الإسرائيلية، التي راح ضحيتها 12 ألف مدني.
وتنمّ الرسالة عن نبرة استياء من الدعم المطلق الذي قدّمه الرئيس بايدن لإسرائيل، ومن تشكيكه في أرقام الضحايا المعلنين من الجانب الفلسطيني، في محاولة لتهدئة المشاعر الأميركية وإفساح المجال أمام الجيش الإسرائيلي لتحقيق إنجازات على الأرض.
واللافت في المروحة الواسعة من الاعتراضات في أوساط الدبلوماسيين الأميركيين، أنّ هؤلاء ينتمون إلى الجيل الشاب، الذي يبدو أنّه يمتلك جرأة أكثر في التعبير عن آرائه، أكثر بكثير مما كان يفعل نظراؤهم في الماضي.
أي أنّ الجيل الشاب من الدبلوماسيين يقف ضدّ منح إسرائيل “شيكاً على بياض” في غزة، وأنّ السياسة القائمة على تأييد كبار المسؤولين الأميركيين في العلن لما يسمّونه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وممارسة ضغط عليها في السرّ من أجل ضبط النفس وعدم الذهاب بعيداً في عملية الانتقام الجارية، لم تعد تجد نفعاً، وأنّه آن الآوان كي يدعو بايدن صراحة إلى وقف النار.
والملاحظ في رسالة الاعتراض هو تأييدها لعملية تبادل للأسرى والرهائن الموجودين لدى “حماس” بفلسطينيين تحتجزهم إسرائيل إدارياً.
هل ثمة فجوة في التفكير بين جيلين من الدبلوماسيين في الولايات المتحدة؟ ربما هذا صحيح إذا ما أخذنا في الاعتبار أيضاً أنّ مجموعات التقدّميين في الحزب الديموقراطي تؤيّد أيضاً وقفاً للنار في غزة، ولا ترى جدوى من وراء الدعوة فقط إلى “هدن إنسانية” محدّدة بالزمان والمكان، وثبت أنّها أخفقت في تخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين، ولم تنجح في إدخال الوقود والحاجات الضرورية الأخرى إلى مستشفيات غزة التي توقف 22 منها عن العمل من أصل 32، بينما تلك التي لا تزال يعمل لن يكون في إمكانها3 الاستمرار إلاّ لبضعة أيام على الأكثر.
حتى الموتى لا يوجد مكان لدفنهم أو لا إمكان لذلك في ظلّ استمرار القصف. هذا ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى الدعوة إلى وقف للنار “باسم الإنسانية”.
الصليب الحمر الدولي ومكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والأونروا واليونيسيف، كل هذه المنظمات تتحدث عن وضع “مروع” في القطاع.
نداءات الاستغاثة هذه لا يتردّد صداها على ما يبدو في البيت الأبيض الذي لا يزال مصرّاً على “الهدن الإنسانية”، وأنّ الوقت لم يحن بعد للدعوة إلى وقف إطلاق النار. والسؤال الذي بات يتردّد على لسان المؤيّدين لوقف الحرب، كم من المدنيين الفلسطينيين يجب أن يسقط كي يقتنع البيت الأبيض بضرورة وقف النار؟.
لكن خارج البيت الأبيض، الرأي العام الأميركي الذي كان في الأيام الأولى لهجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي مؤيّداً للحرب على غزة، بدأ يتراجع ويعيد النظر في مواقفه، على ضوء العدد الهائل من الضحايا الفلسطينيين.
وهذا ما أظهره استطلاع جديد أجرته “رويترز/إبسوس” ونشرته الأربعاء الماضي، حيث تبين أنّ نحو 32 في المئة من المشاركين قالوا: “الولايات المتحدة عليها أن تدعم إسرائيل”، لدى سؤالهم عن الدور الذي من المفترض أن تقوم به بلادهم في الصراع. وتراجعت بذلك النسبة عن 41 في المئة كان هذا موقفهم في استطلاع رأي أجرته “رويترز/إبسوس” في 12 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي و13 منه.
ويبقى أن لا “تمرّد” الدبلوماسيين ولا تغيّر المزاج العام في الولايات المتحدة، قادران حتى الآن على إقناع بايدن بالدعوة علناً إلى وقف النار، على رغم أنّ استمرار الحرب في غزة، ينطوي على مجازفة كبرى بتوسيع نطاقها إلى جبهات أخرى.