بقلم: ناصر زيدان – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- عادت التهديدات النووية الصَلفة إلى ساحة المنازلة في الشرق الأوسط، وهو ما ينذر بمخاطر تفوق في حجمها كل الويلات التي تحصل اليوم في غزة من جراء العدوان الذي تشنه قوات الاحتلال على المدنيين الفلسطينيين. والملف النووي في المنطقة قديم ومتشعِّب، وله حيثياته المتنوعة، كما أنه غامض ومُخيف، ولا توجد معلومات مؤكدة تحيط بتفاصيله، لكن وثيقة صادرة عن وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق كولن باول عام 2016، أكدت أن إسرائيل تملك 200 رأس نووي.
بعد التهديدات غير المباشرة التي أوحى بها وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1973 عن نيّتة باستخدام الأسلحة النووية ضد مصر وسوريا خلال حرب تحرير سيناء والجولان، خرج وزير التراث الإسرائيلي عميحاي الياهو، الأحد الماضي، بتصريحات علنية يدعو فيها إلى ضرب قنبلة نووية على قطاع غزة الفلسطيني لمحو أهله من الوجود، وهو ما يشكل اعترافاً صريحاً من قبل مسؤول إسرائيلي بامتلاك بلاده سلاحاً نووياً، بعد أن كان المسؤولون الإسرائيليون يتنكرون لهذه الوقائع، ولا يعطون أي معلومات عن برنامجهم النووي غير السلمي، وقد أقدمت سلطات الاحتلال على الحكم بالسجن لمدة 18 سنة ضد مودخاي فعنونو عام 1986، لأنه سرَّب معلومات موثقة عن مفاعل ديمونا النووي، الذي بدأ العمل به في صحراء النقب منذ عام 1962، بالتعاون مع الحكومة الفرنسية. تصريحات الياهو الشنيعة، لاقت حملة استنكار عربية واسعة، وهي دعوة صريحة للإبادة تخالف كل معايير القانون الدولي، لا سيما مندرجات معاهدة حضر تجارب واستخدام الأسلحة النووية لعام 2017، وتتنافى مع القيم الإنسانية والأخلاقية. لكن الموقف الرسمي الإسرائيلي لم يكُن على مستوى الحدث، واكتفى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتوقيف الياهو عن حضور جلسات الحكومة، ولم يتخذ قراراً بطرده. هذا التصرف العدواني الصَلف الذي أعلن عنه الياهو، سيفتح الباب من جديد على توترات كبيرة، وسيفاقم الأزمة الرهيبة القائمة في فلسطين، وفي المنطقة برمتها، وسيقوِّض كل المساعي السياسية الهادفة إلى تحقيق سلام عادل وشامل، يرتكز على مبدأ إنشاء «الدولتين» الذي أقرّته قمة بيروت العربية لعام 2002.
المبادرات العربية كانت قد دعت إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، ذلك أن التوترات القائمة في ظل وجود قيادات متطرفة، لا سيما في إسرائيل، قد تقود إلى مغامرة غير محسوبة، وربما تقوِّض السلام العالمي برمته، والخيارات أمام دول المنطقة متعددة، وهي لن تسكت على وجود تهديد غير عادي لها تحت أي ظروف، ما سيعطي دفعاً لقوى التطرف، وللمجموعات التي تجنح باستمرار للتفلت من القيود والمشروعية. وقد ترافقت تصريحات الياهو التهديدية مع توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قانون يلغي موافقة روسيا على معاهدة حظر التجارب النووية الموقعة بين بلاده والولايات المتحدة عام 1996، وهو مؤشر بالغ الخطورة، وينذر بتفاقُم السباق نحو نشر وتطوير أسلحة نووية مدمرة، بينما تقول موسكو إن الولايات المتحدة، هي التي قامت سابقاً بتجارب نووية سرية، أنتجت من جرائها قنابل تزيد قوتها 24 مرة على قوة القنبلة التي أطلقت على مدينة هيروشيما اليابانية عام 1945، بينما روسيا لم تجرِ تجارب على سلاح نووي جديد منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1990، وفقاً لما تقول موسكو.
في هذه الأجواء غير السويّة التي يعيشها العالم، هناك خطر جدي من تفاقُم انتشار السلاح النووي، ولدى بعض الدول التي تُنشد السلام مخاوف من هذه الوضعية، بينما هي قادرة على امتلاك وسائل للدفاع عن نفسها فيما لو لم يقم المجتمع الدولي بواجباته في استئصال الجنوح عند المتطرفين في إسرائيل. تقع على الهيئات الدولية، كما على الدول الكبرى، مسؤوليات جمَّة لوقف التمادي بخرق قواعد المعاهدات الدولية ذات الصلة، وباحترام القانون الدولي الإنساني، وحماية المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، كما تفرض اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، خصوصاً أن التجاوزات ضد الأبرياء فاقت كل تصوُّر، بما في ذلك استخدام أسلحة محرَّمة دولياً.