الرئيسية / مقالات رأي / “المقاومة الإسلامية” ومستقبل الوطنية في العراق

“المقاومة الإسلامية” ومستقبل الوطنية في العراق

بقلم: فاروق يوسف – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- حلّ مفهوم “المقاومة الإسلامية” محل مفاهيم عديدة كانت سائدة في الوعي السياسي العراقي، وهو يتصدّى لقضية فلسطين. يوماً ما كانت عاطفة العراقيين تهتز من الداخل حين يرد اسم فلسطين، ولم يكن العراقي في حاجة إلى مزيد شرح من أجل أن يجاهر بموقفه الثابت المناصر للحق الفلسطيني.

كانت فلسطين هي جوهر وجود وليست رافعة لحمولة تتألّف مادتها من هتافات معلّبة يُراد من خلالها توجيه رسالة ملغّزة المعاني. بمعنى أنّ الشعارات التي كانت تُرفع في العراق ومشاعر المواطنين كانت متطابقة، وليس هناك ما هو مُستوحى من وضع عقائدي شائك ما يُخفى منه أكبر مما يظهر. كانت حركة التحرير الوطني الفلسطيني المتمثلة بمنظمة التحرير، هي العنوان العريض لمقاومة المشروع الصهيوني ممثلاً بالاحتلال الإسرائيلي.

وعلى رغم أنّ العراق كان قد أمسك خيطاً من خيوط تلك المقاومة حين أسّس جبهة التحرير العربية، فإنّ ذلك لم ينحرف بالمقاومة في اتجاه منحى عقائدي مغلق. كان منتسبو ذلك الفصيل بعثيين، غير أنّهم ظلّوا متمسكين بميثاق منظمة التحرير، ولم تقع أية صدامات بينهم وبين أفراد من الفصائل المقاومة الأخرى. ولقد شهدت الأراضي المحتلة العديد من العمليات البطولية التي قاموا بها ضدّ منشآت العدو العسكرية، وسقط منهم الكثير من الشهداء. وقد يكون مفاجئاً القول إنّ العراقيين لم يكونوا ينظرون إلى النضال الوطني الفلسطيني من نافذة جبهة التحرير “البعثية”. والدليل على ذلك، أنّ الكثيرين منهم قد سبقوا تأسيس ذلك الفصيل في الانتماء إلى “الجبهة الشعبية” بقيادة جورج حبش ووديع حداد. وجدوا في ذلك الفصيل ما يُرضي أفكارهم المتطرّفة عن الأسلوب الذي يمكن من خلاله تحرير فلسطين بما ينسجم مع الإيقاع النفسي العراقي.

حربان سبقت “القاعدة”

حين وقعت كارثة الاحتلال الأمريكي عام 2003 انحصرت مقاومته في المناطق الغربية التي أغارت عليها القوات الأمريكية، كما لو أنّها تملك أخباراً مسبقة عمّا سيقع فيها. ومن الغريب أنّ الأميركيين قد اعتبروا “جيش المهدي” الذي أسّسه مقتدى الصدر وهو ميليشيا شيعية، عدواً يجب مطاردته والقضاء عليه، في الوقت الذي علّق سكان الفلوجة (غرب العراق) جثث أربعة من المقاولين المتعاونين مع الجيش الأميركي على جسر المدينة. تزامنت الحرب على الفلوجة مع الحرب على النجف في عام 2004، غير أنّ مقتدى الصدر أعفى أتباعه وهم يقاتلون الأمريكيين من صفة المقاومة، ذلك لأنّ المرجعية الدينية في النجف، بعدما أفتت بعدم جواز القتال ضدّ المحتل، وضعت رأسها علي السيستاني في طائرة وأرسلته للعلاج في لندن. وهكذا وجد الصدر نفسه وهو يقاتل الأمريكيين من غير غطاء مذهبي.

قبل أن يتسلّل تنظيم “القاعدة” والزرقاوي ومن ثم “داعش”، كانت “شبهة” المقاومة قد أُلصقت بـ”سنّة” العراق، وهو ما جعل الأمريكيين يشعرون بالراحة. لقد ارتكبوا مجازرهم في النجف والفلوجة، غير أنّ النجف التي هُدّمت مثلما حدث للفلوجة، نُسيت، فيما ستبقى الفلوجة خالدة في ذاكرة الألم البشري.

المقاومة كانت هي السرّ. وبالرغم من أنّ المناطق الغربية في العراق قد عُرف عنها تشدّدها الديني في كل المراحل التي سبقت الاحتلال، فإنّ مقاومتها للمحتل الأمريكي كانت وطنية ولم ترفع شعارات إسلامية. كان مقاومو الفلوجة عراقيين ولم تكن قضيتهم دينية. ذلك ما أحرج الأميركيين وجعلهم يستنجدون بتنظيم “القاعدة”.

فلسطين شعار ليس إلاّ

أما وقد أنهى الأمريكيون فصلهم الموجع في العراق، فقد وجدت إيران أنّه صار من المناسب أن تعمّم مصطلح “المقاومة الإسلامية”، فتكون ميليشياتها في العراق واجهة أخرى له. وصار واضحاً أنّ ذلك المصطلح انما يشير إلى الفصائل المسلّحة التابعة لإيران والمدافعة عن مصالحها في المنطقة. وما “فلسطين” إلاّ شعار تقليدي يمكن التخلّي عنه في أية لحظة حرجة. لذلك يمكن أن تحلّ صفة “الإيرانية” محل “الإسلامية” من غير أن نفارق الحقيقة. فـ”حزب الله” في لبنان والحوثيون في اليمن والحشد الشعبي في العراق ما هم سوى فصائل مسلّحة إيرانية تقاوم من أجل فرض الهيمنة الإيرانية على الدول التي تنشط فيها.

كل الحديث عن فلسطين هو واجهة كاذبة تخفي إيران وراءها مشروعها التوسعي الذي هو أسوأ من مشروع إسرائيل. فإذا كانت إسرائيل تخطّط لابتلاع فلسطين، فإنّ إيران قد بدأت بابتلاع دول، كانت تاريخياً تقف ضدّ المشروع الصهيوني. وكما يبدو فإنّ سؤالاً من نوع “ما الذي تقاومه تلك الفصائل المسلّحة؟”، أصبح يصطدم بواقع سياسي مضطرب تعيشه المنطقة في ظلّ تجاذبات إقليمية ودولية صارت دول عربية عديدة مادتها وليس جزءاً حيوياً مشاركاً في صناعتها. فالعراق وهو الذي يقف في مقدّمة تلك الدول، كان قد فَقَد قدرته على أن يكون صانعاً للأحداث منذ هزيمته بعد تحرير الكويت عام 1990.

التشكيك بالوطن قبل الوطنية

في مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي كانت الوطنية العراقية هي عنوان المقاومة، وهو ما دفع الآلة الدعائية التابعة لسلطة الاحتلال إلى التشكيك بوجود عوامل تاريخية تكون أساساً لنشوء تلك الوطنية. بمعنى التركيز على أنّ العراق دولة مصطنعة قامت بريطانيا باختلاقها، وهو ما ينفي وجود وطنية عراقية. تلك النظرية التي روّج لها “مثقفون” عراقيون مأجورون من قِبل سلطة الاحتلال، كانت تصبّ في خدمة الشبهات التي أُلحقت بالمقاومة العراقية، كونها تعمل من أجل إعادة النظام السياسي السابق.

وحين تعرّض الجيش العراقي لهزيمة قاسية أمام تنظيم “داعش” عام 2014 تمّ الترويج للمقاومة الإسلامية كونها البديل للجيش العراقي في الدفاع عن وحدة الأراضي العراقية وسلامة العراقيين وأمنهم. ذلك ما دفع بنوري المالكي الذي كان عليه أن يتحمّل مسؤولية الهزيمة، كونه القائد العام للقوات المسلّحة يومها، إلى أن يعلن نفسه قائداً للمقاومة الإسلامية، وهو منصب وهمي انخرطت بعده الأحزاب والميليشيات الشيعية في التنسيق مع الجبهات الإيرانية الأخرى وبالأخص على مستوى التمويل المالي. لذلك يمكن القول إنّ المقاومة الإسلامية تجمع كل أتباع إيران في سلّة واحدة، في حين أنّها لا تجعل العراقيين يجتمعون على طاولة وطنية واحدة.

المصدر: النهار العربي

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …