الشرق اليوم– باستثناء رئيس الحكومة الفلسطينية، فإن أياً من رؤساء الدول أو الحكومات العربية لن يحضر إلى باريس الخميس للمشاركة في المؤتمر الإنساني من أجل دعم المدنيين في غزة الذي دعت إليه فرنسا، وسيلتئم لمدة ثلاث ساعات في قصر الإليزيه. وفيما تغيب إسرائيل وإيران وروسيا عنه، فإن الولايات المتحدة ستُمثلها مساعدة وزيرة الأمن المدني أيزرا زيا، فيما سيحضر الرئيس القبرصي ورؤساء حكومات اليونان وآيرلندا ولوكسمبورغ، إضافة إلى رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضية الأوروبية.
وأفاد قصر الإليزيه، في العرض الصباحي الذي قدمه للمؤتمر الذي سيرأسه الرئيس إيمانويل ماكرون، بأن الأخير استبق انعقاده بالقيام بسلسلة اتصالات شملت رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس المصري وأمير قطر، وأنه سيتصل مجدداً ببنيامين نتنياهو لإطلاعه على النتائج التي سيخلص إليها المؤتمرون. بيد أنه كان واضحاً خلال عرض الرئاسة الفرنسية أن ثمة مفارقة رئيسية، حيث إن المؤتمر سينعقد فيما الدعوات الكثيرة عبر العالم من أجل هدنات إنسانية اصطدمت حتى اليوم برفض إسرائيلي قاطع، كما أن لا أحد يتحدث عن وقف إطلاق النار. من هنا، الصعوبة التي سيلاقيها المؤتمرون لجهة كيفية إيصال المساعدات.
وبدا واضحاً أن باريس تريد أن تبقي المؤتمر بعيداً عن الجوانب السياسية، لا بل إن المصدر الرئاسي استبعد صدور بيان أو إعلان نهائي بحجة أن ذلك سيغرق الجميع في جدل حول استعمال كلمة بدل أخرى. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر آخر قوله إن فرنسا “لا تريد أن يتحول المؤتمر إلى منصة لإدانة إسرائيل”.
تريد باريس تركيز المناقشات للوصول إلى تحقيق ثلاثة أهداف؛ أولها تقييم احتياجات قطاع غزة بالاستناد إلى تقارير الوكالات الدولية التي قدّرت أن الحاجات الإنسانية تصل اليوم إلى 1.2 مليار دولار حتى نهاية العام الحالي، وثاني الأهداف العمل على تعزيز وصول المساعدات الإنسانية للقطاع وتحديداً الخاصة بقطاعات الصحة والتغذية والمياه والطاقة، وثالثها “تعزيز التعبئة” لصالح مدنيي غزة من خلال توفير الدعم للوكالات الدولية والمنظمات العاملة في القطاع والمنظمات غير الحكومية. ويلخّص المصدر الرئاسي الغرض من المؤتمر بالتوصل إلى “نتائج ملموسة سريعاً” بالنظر إلى الوضع الإنساني السائد في القطاع الخاضع منذ 31 يوماً لعمليات قصف جوي وبري وبحري زادت ضحاياها على عشرة آلاف قتيل وضعفهم من الجرحى، فيما الدمار بلغ حداً لم يعرف من قبل. وما تريده باريس أن يوفر الاجتماع الفرصة لكي يعبّر كل طرف مشارك عما يريد أن يقدمه في هذا السياق أكانت مساعدات مالية أو عينية أو تجهيزات (مثلا المستشفيات العائمة) أو وسائل لنقل المساعدات (بواخر).
لعل أهم اقتراح معلوم هو الذي قدمته قبرص بإطلاق ممر إنساني بحري لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة، وذلك باعتبار أن تكديس المساعدات شيء وإيصالها إلى المحتاجين إليها شيء آخر. وحتى اليوم، تمر المساعدات بـ”القطّارة” عبر معبر رفح وتخضع الشحنات لتدقيق إسرائيلي. من هنا، فإن الهدف العام للمؤتمر حشد الموارد المالية وإيجاد طرق لإيصال المساعدات إلى القطاع، بالإضافة إلى إخراج المصابين بجروح خطيرة.
وستتاح الفرصة للرئيس القبرصي الذي يحضر الاجتماع لعرض مشروع بلاده. وباعتبار القرب الجغرافي لقبرص من شاطئ غزة، فإن اعتماد الممر البحري سيسمح بمضاعفة المساعدات المرسلة إلى القطاع. بيد أن هناك جملة صعوبات يتعين التغلب عليها أولاً، سياسياً ولوجيستياً. ففي المقام الأول، لا يمكن العمل بهذا الاقتراح ما لم تقبله إسرائيل التي لن تتردد في فرض شروطها ومنها مراقبة ما سيدخل ويخرج من القطاع على غرار ما يحصل في معبر رفح. أما الصعوبة اللوجيستية فإنها تتناول رسو المراكب إذ لا تمتلك غزة مرفأ كبيراً ملائماً ما يعني الحاجة لبناء ميناء عائم. وعلى أي حال، تبين هذه الجوانب كافة أن تدفق المساعدات الإنسانية على غزة لن يتم غداً أو بعد غد. أما بالنسبة للجرحى، فإن إسرائيل ستفرض بلا شك شرط التأكد من هوياتهم ما سيفاقم الصعوبات ويتطلب إجراءات إدارية ثقيلة.
وفي عرضها للمؤتمر، كشفت باريس عن عزم الرئيس ماكرون على زيادة قيمة المساعدات الإنسانية لغزة، وأكد المصدر الرئاسي أنها تعمل على الصعيدين الوطني والأوروبي من أجل التمكن من استقبال المرضى والجرحى الفلسطينيين على البواخر التي يفترض أن ترسو مقابل شاطئ غزة. وحتى اليوم، أرسلت باريس سفينة – مستشفى تسمى “لا تونير” وهي تعمل على تجهيز قطعة ثانية للانضمام إلى الأولى. وأعلنت إيطاليا استعدادها لإرسال سفينة – مستشفى. وترى باريس أن “مصلحة الجميع بما في ذلك إسرائيل” العمل على زيادة المساعدات الإنسانية. وقال المصدر الرئاسي إن الأساس هو الوصول إلى حلول “عملانية”، والعمل على جعل المبادرات المتعددة في سياق توفير الدعم الإنساني قابلة للتنفيذ والتغلب على الصعوبات التي تطرحها إسرائيل لوصولها. ولذا، ترى باريس أن هناك حاجة لعمل مع الأطراف كافة ومنها بالطبع إسرائيل الممسكة بمفتاح وصول المساعدات من عدمه.
ثمة هدف آخر قد يكون كامناً وراء الدعوة الفرنسية للمؤتمر الإنساني وعنوانه إعادة نوع من التوازن لمواقف باريس من حرب غزة التي تميزت حتى وقت قريب بما يشبه التحيّز لإسرائيل، الأمر الذي يبدو أنه يثير جدلاً ودهشة في الأوساط الدبلوماسية، وفق ما كشفت عنه تقارير إعلامية. وبعد أن قال ماكرون في إسرائيل إن لها الحق في الدفاع المشروع عن النفس، وبعد أن عدّ أن الحرب على “حماس” يجب أن تكون “دون هوادة” ولغرض “تدميرها”، عدّ الأسبوع الماضي أن “الحرب على الإرهاب لا تبرر التضحية بالمدنيين”. أما بالنسبة للهدنات، فإن باريس، كما قالت وزيرة الخارجية كاترين كولونا، “تريد هدنة إنسانية يمكن أن تقود إلى وقف لإطلاق النار”.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط