الشرق اليوم– هل سألت نفسك من قبلُ: أيُّ جهاز تستخدمه يوميًا هو الجهاز الأكثر نشاطًا في جمع معلوماتك الشخصية لتحليلها وإعادة بيعها؟
الجواب هو سيارتك؛ وذلك وفقًا لبحث أجرته مؤسسة (موزيلا) Mozilla، إذ لا تقترب الساعات الذكية أو مكبرات الصوت الذكية أو كاميرات المراقبة أو أي أدوات أخرى حللها خبراء مؤسسة (موزيلا) في مشروع الخصوصية غير المدرجة من أحجام البيانات التي تجمعها السيارات الحديثة. ويتضمن هذا المشروع خبراء يفحصون اتفاقيات المستخدم وسياسات الخصوصية لفهم كيفية استخدام الأجهزة للبيانات الشخصية للمالكين.
لأول مرة على الإطلاق في تاريخ المشروع، تلقت جميع العلامات التجارية للسيارات (25 من 25) التي خضعت للمراجعة (بطاقة حمراء) بسبب جمع المعلومات الشخصية على نطاق واسع بشكل غير مقبول، ونقص الشفافية في استخدامها، وممارسات نقل البيانات وتخزينها الموثقة بشكل سيئ، على سبيل المثال: من غير المعروف هل توجد تقنيات تشفير البيانات أم لا؟
والأسوأ من ذلك، تشير 19 علامة تجارية من أصل 25 رسميًا إلى أنها تستطيع إعادة بيع المعلومات التي تجمعها. وأهم ما يميز انتهاكات الخصوصية هذه هو أن مالكي السيارات ليس لديهم أي قدرة تقريبًا على إلغاء الاشتراك في جمع البيانات ونقلها، هناك علامتان تجاريتان فقط، وهما: رينو و(داتشيا) Dacia التابعة لها، توفران للمالكين الحق في حذف البيانات الشخصية المجمعة، ومع ذلك لا توضح للمستخدمين ذلك.
توجد انتهاكات فظيعة لحقوق الخصوصية، مدفونة بعمق في اتفاقيات الترخيص التي يقبلها مشترو السيارات عادة دون قراءتها. على سبيل المثال، موافقة المالك على مشاركة تفضيلاته الجنسية والمعلومات الجينية (شركة نيسان)، والكشف عن المعلومات بناءً على طلبات غير رسمية من وكالات إنفاذ القانون (هيونداي)، وجمع البيانات عن مستويات الإجهاد، كل ذلك بالإضافة إلى 160 فئة بيانات أخرى مع أسماء غامضة عن عمد؛ مثل: المعلومات الديموغرافية، والصور، ومعلومات الدفع، والموقع الجغرافي، وما إلى ذلك.
وكانت أسوأ علامة تجارية على الإطلاق في التصنيف هي تسلا، التي حصلت، بالإضافة إلى جميع نقاط جمع البيانات، على علامة خاصة وهي: “الذكاء الاصطناعي غير الجدير بالثقة”، حيث تجمع هذه السيارة لقطات لك ولعائلتك داخل سيارتك وخارجها، إذ كشف تقرير أنه بين عامي 2019 و2022، شاركت مجموعة من موظفي تسلا بشكل خاص عبر نظام مراسلة داخلي مقاطع فيديو وصور شديدة الخصوصية سجلتها كاميرات سيارات العملاء، كما شاركوا صور الحوادث وحوادث الغضب على الطرق، وذلك فقًا لمقابلات أجرتها رويترز مع تسعة موظفين سابقين في الشركة.
كيف تجمع السيارات المعلومات الشخصية؟
السيارات الحديثة مليئة حرفيًا بأجهزة الاستشعار، بدءًا من أجهزة استشعار المحرك والهيكل التي تقيس أشياء مثل: درجة حرارة المحرك، أو زاوية عجلة القيادة، أو ضغط الإطارات، إلى أجهزة استشعار أكثر إثارة للاهتمام مثل: الكاميرات الخارجية والداخلية، والميكروفونات، وأجهزة استشعار وجود اليد على عجلة القيادة، وبذلك تكون جميعها متصلة بناقل واحد، ومن ثم فإن الحاسوب الرئيسي للسيارة يتلقى مركزيًا كل هذه المعلومات.
بالإضافة إلى ذلك، تُجهز جميع السيارات الحديثة بوحدات لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) واتصالات خلوية واتصالات البلوتوث والواي فاي.
ويفرض القانون في العديد من البلدان وجود الاتصالات الخلوية، ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، لطلب المساعدة تلقائيًا في حالة وقوع حادث، لكن الشركات المصنعة تستخدم هذه الوظيفة لمصلحة السائق وأنفسها.
إذ يمكنك تخطيط المسارات على شاشة السيارة، وتشخيص الأعطال مِن بُعد، وتشغيل السيارة سابقًا وبالطبع، فإن جسر “المستشعرات والكاميرات، وحاسوب السيارة، والشبكة الخلوية” ينشئ قناة ثابتة لجمع معلومات مثل: إلى أين أنت ذاهب، وأين ستقف ومتى، وإلى أي مدى ستدير عجلة القيادة وتسرع، وهل تستخدم حزام الأمان، وما إلى ذلك.
بالإضافة إلى ذلك؛ تُجمع المزيد من المعلومات من الهاتف الذكي للسائق عند توصيله بالنظام الموجود على متن السيارة لإجراء المكالمات والاستماع إلى الموسيقى والتنقل وما إلى ذلك. وإذا كان الهاتف الذكي مزودًا بتطبيق هاتف محمول من الشركة المصنعة للسيارة للتحكم في وظائف السيارة، فيمكن جمع البيانات حتى عندما لا يكون السائق في السيارة.
في المقابل، يمكن جمع المعلومات عن الركاب من خلال الكاميرات والميكروفونات ونقاط اتصال الواي فاي ووظائف البلوتوث. ومن خلال هذه المزايا من السهل معرفة الأشخاص الذين يسافرون بانتظام في السيارة مع السائق، ومتى وأين يركبون وينزلون، وما الهاتف الذكي الذي يستخدمونه، وما إلى ذلك.
لماذا يحتاج مصنعو السيارات إلى هذه المعلومات؟
الإجابة بكل وضوح لكسب المزيد من المال؛ لأنه بصرف النظر عن تحليل البيانات لتحسين جودة المنتجات والخدمات، يمكن إعادة بيع هذه البيانات لجهات خارجية، ويمكن تكييف مزايا السيارة لتحقيق ربح أكبر للشركة المصنعة.
على سبيل المثال، تشتري شركات التأمين معلومات عن أسلوب قيادة سائق معين للتنبؤ بدقة باحتمالية وقوع الحوادث وتعديل تكاليف التأمين. وفي عام 2020، جُهزت 62% من السيارات بنظام معلوماتي مدمج في المصنع مباشرةً، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 91% بحلول عام 2025.
تحرص شركات التسويق أيضًا على استخدام هذه البيانات لتوجيه الإعلانات بناءً على دخل المالك والحالة الاجتماعية والحالة الاجتماعية.
لكن حتى بدون إعادة بيع البيانات الشخصية، هناك العديد من السيناريوهات الأخرى غير السارة لتحقيق الدخل، مثل: تمكين أو تعطيل وظائف السيارة الإضافية من خلال الاشتراكات، كما حاولت شركة بي إم دبليو دون جدوى فعل ذلك مع المقاعد المدفأة، أو بيع سيارات باهظة الثمن عن طريق الائتمان مع الإغلاق القسري للسيارة في حالة الإخفاق في الدفع.
ما الخطأ أيضًا في جمع البيانات مع توفير مزايا قوية؟
حتى إذا كنت تعتقد أنه لا يوجد شيء خطأ مع الإعلانات، ولا يوجد شيء مثير للاهتمام يمكنهم معرفته عنك، فكّر في المخاطر الإضافية التي تتعرض لها أنت وسيارتك بسبب التقنيات الموضحة سابقًا، ومنها:
1- تسريب البيانات:
تجمع الشركات المصنعة للسيارات معلوماتك وتخزنها بشكل دائم بدون حماية كافية. فعلى سبيل المثال: اعترفت شركة تويوتا خلال شهر مايو الماضي بتسريب بيانات 10 سنوات، جُمعت جميعًا من ملايين المركبات التي تدعم الخدمات السحابية.
كما حدث تسريب معلومات عن 3.3 ملايين عميل في شركة أودي، كما تعرضت شركات أخرى أيضًا لانتهاكات البيانات وهجمات إلكترونية. وإذا وقع هذا القدر من البيانات الشخصية في أيدي مجرمين ومحتالين حقيقيين، وليس فقط المسوقين، فقد يؤدي ذلك إلى كارثة.
2- السرقة:
اكتشف خبراء شركة كاسبرسكي للأمن الإلكتروني في عام 2014؛ إمكانية سرقة مركبة عبر الوظائف السحابية. ومنذ عام 2015، أصبح من الواضح أن استيلاء المجرمين على سيارة مِن بُعد ليس خيالًاـ لكنه حقيقة قاسية.
فغالبًا ما تستغل سرقات السيارات في السنوات الأخيرة ترحيل الإشارات مِن بُعد من سلسلة مفاتيح، لكن تحدي TikTok الذي انتشر في العام الماضي للمراهقين الذين يسرقون سيارات كيا وهيواندي، لم يعتمد على الوظائف الذكية للسيارة، ولكن كل ما تطلبه الأمر من اللص إدخال محرك أقراص USB.
3- مراقبة الآخرين لك:
عندما لا تكون السيارة ملكًا لك، بل لقريب أو صاحب عمل، فإن المالك يمكنه تتبع موقع السيارة، وتعيين الحدود الجغرافية لاستخدامها، وتعيين حدود السرعة وأوقات القيادة المسموح بها، وحتى التحكم في مستوى صوت النظام الصوتي! وتوفر العديد من العلامات التجارية، مثل فولكس فاجن وبي إم دبليو، هذه المزايا.
كيف يمكنك الحد من هذه المخاطر؟
نظرًا إلى حجم المشكلة، لا توجد حلول بسيطة. ولذلك، يقدم خبراء شركة كاسبرسكي بعض الخيارات للتخفيف من المخاطر، وهي:
امشِ أو اركب دراجة هوائية.
اشترِ طرازًا قديمًا، إذ تتمتع جميع السيارات تقريبًا التي صُنعت قبل عام 2012 بقدرات محدودة للغاية على جمع البيانات ونقلها.
اشترِ سيارة مع حد أدنى من مجموعة أجهزة الاستشعار الذكية أو بدون وحدة اتصالات. وتقدم بعض الشركات المصنعة فئات من السيارة نفسها ذات قدرات محدودة، لكن هذا يتطلب قراءة دليل المستخدم بعناية. ويُعد عدم وجود وحدة اتصالات مخصصة (GSM/3G/4G) في السيارة علامة موثوقة على قدراتها المحدودة. ولاحظ أن العديد من السيارات تأتي مع مزايا ذكية حتى في الفئات الأساسية.
لا تثبت تطبيق الهاتف المحمول للسيارة في هاتفك. وبالطبع، غالبًا ما يكون تشغيل السيارة من هاتفك الذكي أو تسخينها قبل ركوبها أمرًا مريحًا، لكن هل من الضروري الدفع مقابل هذه المزايا بمعلومات شخصية عميقة؛ بالإضافة إلى الأموال التي تنفقها؟
لا تُفعل وظائف إقران CarPlay من آبل أو Android Auto؛ لأنه عند تفعيل هذه الوظائف، تحصل الشركة المطورة لنظام تشغيل الهاتف الذكي على جميع أنواع المعلومات من السيارة، وتسترد السيارة بدورها المعلومات من الهاتف.
لا تَصل السيارة بهاتفك عبر البلوتوث أو الواي فاي، بالطبع بهذه الطريقة، ستفقد بعض الوظائف، لكن على الأقل لن ترسل السيارة معلومات إلى الشركة المصنعة عبر الهاتف، ولن تقوم بتنزيل أرقام جهات الاتصال المسجلة في الهاتف والبيانات الشخصية الأخرى. ويمكنك التوصل إلى حل وسط عن طريق إنشاء اتصال بلوتوث فقط لسماعات الرأس، إذ ستتمكن من تشغيل الموسيقى من هاتفك من خلال مكبرات صوت السيارة، لكن لن تنقل أي بيانات أخرى.
نصيحة إضافية ولكنها لا تستبعد ما سبق: تقترح مؤسسة موزيلا توقيع عريضة جماعية لشركات تصنيع السيارات، لحثها على تغيير نموذج أعمالها والتوقف عن جني الأموال عن طريق التجسس على العملاء.
المصدر: البوابة العربية للأخبار التقنية