بقلم: إنجي مجدي- اندبندنت
الشرق اليوم– عقب ذلك الهجوم المباغت الذي أطلقت فيه “حماس” وابلاً من الصواريخ وعبور مسلحيها السياج الحدودي نحو بلدات إسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، تعهد القادة في تل أبيب محو الحركة الفلسطينية وأعلنوا عن عملية عسكرية ضد قطاع غزة. ومنذ ذلك الحين، قصفت الغارات الجوية الإسرائيلية القطاع بلا هوادة وحُشد مئات الآلاف من جنود الجيش الإسرائيلي على الحدود تمهيداً لاجتياح بري واسع.
وعلى رغم الإعلان الرسمي، اليوم الثلاثاء، عن بدء اجتياح بري واسع، فإن الأيام الماضية كانت حبلى بتسريبات في شأن تأجيل العملية أو الحديث عن توغل تدريجي وإعادة بعض من جنود الاحتياط البالغ عددهم 360 ألف جندي. ليس ذلك فحسب، بل نقرأ تقارير في الصحافة الغربية في شأن خلافات بين القادة في إسرائيل أو بين تل أبيب وواشنطن بخصوص طبيعة العمليات العسكرية التي ستتم ضد القطاع أو تذمر الضباط من انتظارهم لساعة الصفر إذ إنهم لا يستطيعون الحفاظ على استعدادهم لأجل غير مسمى.
ووفق مقال الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع في صحيفة “يديعوت أحرنوت”، فإن ثمة أزمة ثقة بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والجيش، منوهاً بأن حكومة الحرب تواجه صعوبات في اتخاذ قرارات بالإجماع في شأن القضايا الحاسمة.
قيود تواجه إسرائيل
ظلت التقارير تحمل بعداً منطقياً بالنظر إلى كثير من الحقائق على الأرض، التي تجعل تنفيذ عمل عسكري ضخم في قطاع غزة الذي يسكنه أكثر من مليوني نسمة، مهمة صعبة، لكن لأن “الحرب خدعة” يعتقد البعض الآخر أن ما شهدته الأيام الماضية وجرى ترويجه في الصحافة الإسرائيلية والغربية كان مجرد محاولة لصرف الأنظار بغرض شن هجوم مفاجئ يربك الطرف الآخر وهي استراتيجية عسكرية معروفة.
عدد من المراقبين الغربيين تحدثوا لـ”اندبندنت عربية” عن عديد من العوامل التي لعبت دوراً في تأجيل قرار العملية البرية الواسعة لنحو 24 يوماً منذ “هجوم حماس”، لعل أبرزها الضغوط الدولية والانقسامات الداخلية، فضلاً عن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة.
بدا واضحاً أن وجود الرهائن في غزة يزيد من تعقيد الوضع، ورجح المراقبون أن وجود عسكريين أميركيين في إسرائيل يهدف إلى منع أي عمل يمكن أن يعرض حياة الرهائن، بما في ذلك الأميركيين، للخطر.
ثلاثة قيود
وعن تأخير الاجتياح البري الواسع، قال أستاذ الدراسات الاستراتيجية بكلية الدفاع الوطني في واشنطن والمسؤول السابق لدى البنتاغون ديفيد دي روش، إن هناك كثيراً من الأسباب التي جعلت إسرائيل تتريث قبل إطلاق الهجوم العام “قد تكون المفاجأة العملياتية واحدة منها، لكنه سبب ضئيل”.
وأوضح أن هناك ثلاثة قيود رئيسة ظلت أمام التحرك الإسرائيلي، فوجود أعداد كبيرة من المدنيين في منطقة شمال غزة وتوزيع منشآت “حماس” العسكرية بين البنية التحتية المدنية يعني أنه لو كانت تل أبيب نفذت الهجوم الفوري، فإن عدد الضحايا المدنيين سيكون كبيراً للغاية، وستواجه إدانات دولية، لذا فإن التأجيل خلال الفترة الماضية ربما يكون قد منح المدنيين في القطاع الوقت الكافي لمغادرة المنطقة، كما حثتهم إسرائيل.
وتحتجز حركة “حماس” أكثر من 235 مواطناً إسرائيلياً وأجنبياً تم أسرهم خلال الهجوم منذ السابع من أكتوبر. وبينما تتعاون واشنطن وقطر في المفاوضات مع “حماس” في شأن هذه القضية بالنظر إلى أن عديداً من أولئك الرهائن أميركيون، فإن المسؤولين في إسرائيل يعتقدون أن الحركة ماطلت خلال الفترة الأخيرة في شأن إطلاق سراح الرهائن “كتكتيك” لتأجيل الاجتياح البري الذي بات اليوم واقعاً في قطاع غزة.
واتفق المراقبون أن استمرار احتجاز الرهائن كان مقيداً لبدء العملية الإسرائيلية، إذ يقول دي روش “لن تكون إسرائيل قادرة على العمل بحرية ما دامت حماس تحتجز الرهائن، الذين ربما يكونون منتشرين في القطاع”.
الأمر الثالث بحسب المسؤول الأميركي السابق أن القتال في المدن أمر صعب للغاية، فالقتال في مدن بها شبكة أنفاق مثل تلك التي أنشأتها “حماس” يكاد يكون أمراً غير مسبوق، وهو ما يفسر استمرار إسرائيل في استخدام القوة الجوية والمدفعية وهجمات الوحدات الصغيرة لعزل وتدمير قدرات الحركة الرئيسة (الصواريخ، والقيادة والسيطرة، وتخزين الأسلحة والذخيرة، والاتصالات)، بما يسهل المهمة مع الاجتياح الشامل.
ولطالما تحدث المسؤولون الإسرائيليون عن أن هدف العملية العسكرية “هو تدمير القدرات العسكرية لحماس”. وبينما لم يجب الزميل المتخصص في الشأن العسكري لدى مركز بيغن السادات، يعقوب لابين، على أسئلتنا المرتبطة بالاقتحام البري، فإنه أوضح في تصريحات صحافية سابقة أنه لكي تتمكن إسرائيل من توجيه ضربة حاسمة لـ”حماس”، فإن الضربات الجوية وحدها لن تكون كافية، “إذا نظرت إلى الأهداف، فستجد أنها لا يمكن تحقيقها إلا من خلال مناورة برية”. ويتفق المراقبون على أن العمليات العسكرية ستستمر في الأشهر المقبلة.
ضغوط دولية ومخاوف حرب إقليمية
بالنسبة إلى المسؤول السابق لدى مجلس الأمن القومي الأميركي والزميل الحالي لدى المجلس الأطلسي دانييل موتون، فإن تكثيف الغارات الجوية والتوغلات البرية الأخيرة وقطع خدمة الإنترنت، التي لجأت إليها إسرائيل بالفعل خلال الأيام الماضية، كانت جميعها مؤشرات على أن الجيش الإسرائيلي يستعد لبدء عمليته البرية المتوقعة في غزة.
ظل قرار الاجتياح البري في غزة بطبيعة الحال مرهوناً بالمستوى السياسي نظراً إلى وجود ضغوط من البيت الأبيض وأماكن أخرى لإطلاق سراح مزيد من الرهائن وإجلاء المواطنين الأجانب وتحسين الوضع الإنساني.
ويبدو أن الأيام الماضية شهدت ضغوطاً دولية على إسرائيل مدفوعة بالمخاوف من نشوب حرب إقليمية أوسع، ففي حين زار كبار قادة الدول الغربية لإسرائيل في الأسابيع الأخيرة، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأميركي جو بايدن، الذين أكدوا تعاطفهم وتضامنهم الكامل مع الإسرائيليين في الدفاع عن أنفسهم، لكن المحلل السياسي الإسرائيلي دانييل بنسيمون، يعتقد أن هؤلاء القادة كان هدفهم الرئيس من خلال دعمهم لتل أبيب هو منع شن هجوم بري بسبب القلق من التصعيد الإقليمي وتورط إيران من خلال “حزب الله” في لبنان.
وقال بنسيمون، “سواء كان هناك خلاف أم لا، فإن الحقيقة هي أن الأميركيين والأوروبيين يأتون إلى إسرائيل لمداعبتها بكلمات معسولة بهدف منع هجوم بري… يخشى المجتمع الدولي أن تؤدي العملية البرية إلى سلسلة من ردود الفعل التي يمكن أن تجتاح المنطقة بأكملها، وربما أبعد من ذلك”.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، تبادلت قوات الدفاع الإسرائيلية ومسلحون في لبنان الضربات عبر الحدود الشمالية لإسرائيل، مما أثار مخاوف من تورط “حزب الله”، حليف “حماس”، بشكل مباشر أكثر في الصراع من خلال فتح جبهة ثانية في الجليل ومرتفعات الجولان.
وتعرف إسرائيل أن “حزب الله” أفضل تسليحاً من “حماس” كثيراً، ومن ثم فإن المناوشات على طول الحدود الشمالية تهدد بتصعيد الصراع إلى حرب إقليمية، بحسب مراقبين.
ليس ذلك فحسب، بل يخشى محللون آخرون من يؤثر الاجتياح البري مباشرة على أمن إسرائيل على المدى الطويل. ويقول موتون، إن حجم العملية البرية للجيش الإسرائيلي وإدارتها سيكون لهما تأثيرات تتجاوز نطاق قطاع غزة، معتبراً “أن هذه العملية، حتى لو حققت هدفها بالقضاء على حماس، فإنها ستؤثر بشكل مباشر على أمن إسرائيل على المدى الطويل”.
ويرى المدير السابق للسياسة الدفاعية والعسكرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للمنسق الأميركي بريت ماكغورك، أن إرسال جيش الدفاع الإسرائيلي قوة كبيرة إلى غزة قد يسمح للآخرين، مثل “حزب الله” اللبناني أو الميليشيات الأخرى التابعة لإيران، بالاعتقاد أن بإمكانهم شن هجمات انتهازية أكبر ضد إسرائيل. وردع هذا النوع من الهجوم هو أحد الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى إرسال قوات إضافية إلى المنطقة.
ويضيف أن ثمة تأثيراً آخر نتيجة للكيفية التي يدير بها الجيش الإسرائيلي العمليات القتالية في غزة، إذ ستذهب عناصر “حماس” للعمل وسط السكان المدنيين وخلق معضلات له، وحتى الآن يبدو أن تل أبيب ستواجه مهمة شبه مستحيلة في محاولة القضاء على الحركة الفلسطينية من دون زيادة كبيرة في عدد الضحايا المدنيين في غزة.
ومع ذلك، فإن الفشل في وضع السكان المدنيين في الاعتبار سيجعل من المستحيل تهيئة الظروف المناسبة لمرحلة ما بعد الصراع في غزة، إذ سبق وطالب البيت الأبيض بأهمية الحفاظ على المدنيين في القطاع لأن العملية البرية يمكن أن تخلق حواجز أمام استمرار تطبيع إسرائيل العلاقات مع السعودية ودول أخرى.
وخلص بالقول إن “أمن إسرائيل لا يتطلب القضاء على حماس فحسب، بل إنه يعتمد أيضاً على عيشها في سلام مع الفلسطينيين وعلى توسيع علاقاتها الدبلوماسية في المنطقة”.
جس النبض
وقبل الإعلان الإسرائيلي الرسمي عن الاجتياح البري، تحدثت تل أبيب منذ أيام عن توغل عسكري تدريجي، فيما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مطلع الأسبوع، عن أن المرحلة الثانية من الحرب ضد “حماس” بدأت بهدف تدمير مسلحي وحكومة الحركة وإعادة الرهائن المحتجزين في غزة إلى بلادهم.
أما رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، فقال في مقطع فيديو، السبت الماضي، “هذه حرب ذات مراحل متعددة. اليوم، ننتقل إلى المرحلة التالية”. وأضاف “قواتنا تعمل حالياً على الأرض في قطاع غزة. ويتم دعم هذه الأنشطة بنيران دقيقة وكثيفة”.
ويعتقد مراقبون أن التوغل البري التدريجي ربما يكون محاولة لجس النبض لاختبار الاستعدادات الأولية لـ”حماس” والفصائل المسلحة ودفاعتها الفورية في التعامل مع اجتياح بري أوسع. والأسبوع الماضي، وقعت مواجهة عسكرية مباشرة بين قوة إسرائيلية وعناصر من كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لـ”حماس”، شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، وهي المواجهة التي أسفرت عن تدمير جرافتين ودبابة إسرائيلية، بحسب بيان الكتائب الذي تحدث عن انسحاب العناصر الإسرائيلية.
ويقول دي روش “أعتقد أن التوغلات البرية الإسرائيلية المختلفة في غزة –خلال الفترة الماضية– كانت بمثابة استطلاع، وليست المرحلة الأولى من هجوم عام. الهدف من التحقيق الأولى هو تحديد نوع رد الفعل المتوقع من العدو، والحصول على معلومات حول كيفية رد “حماس” على التوغل وبأي أسلحة، وتحديد نقاط القوة والمناطق التي ستدافع عنها، وإبقاء الحركة نشطة من ثم استنفاد قدراتها (الوقود والأسلحة والقوى البشرية) قبل تنفيذ الاجتياح وربما كانت حادثة خان يونس ضمن هذه الفئة”.