بقلم: أسعد عبود- النهار العربي
الشرق اليوم– سلط التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس، الضوء على حجم الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي حيال الحرب الدائرة في الشرق الأوسط. هناك دول أعضاء في الاتحاد سارت في ركب الولايات المتحدة وصوّتت ضد مشروع القرار الأردني الذي يدعو إلى “هدنة إنسانية دائمة” في غزة، بينما صوتت دول أخرى لمصلحة القرار، وامتنعت البقية عن التصويت.
التشظي الأوروبي مرده إلى جملة من العوامل التي تحكم العلاقة مع الولايات المتحدة، أكثر مما يتعلق بمواقف مبدئية لدول معينة من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. الهدنة الإنسانية التي دعا إليها القرار غير الملزم والذي تبنته الجمعية العمومية بغالبية 120 صوتاً، كانت البديل الذي ارتأى الأردن طرحه عوض طرح الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، إدراكاً منه أن أميركا تعارض بشدة مثل هذه الدعوة.
التباين داخل الاتحاد الأوروبي لم يبدأ في واقع الأمر من تصويت الجمعية العامة. بل إنه بدأ منذ اليوم الأول للحرب، عندما سارعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال زيارة لتل أبيب إلى وقف كل المساعدات عن الفلسطينيين، رداً على هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر). موقف ووجه بانتقادات من مسؤولين آخرين في الاتحاد دعوا إلى عدم فرض عقاب جماعي على الفلسطينيين بسبب الهجوم.
إلى ذلك، تراوحت مواقف المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين التأييد القوي لإسرائيل من دون الوصول إلى درجة المشاركة العسكرية في الحشد الأميركي والبريطاني في شرق المتوسط. لكنّ القادة الأوروبيين الذين يقدرون حساسية الصدمة التي أصابت إسرائيل طرحوا بحذر العودة إلى المسار السياسي ووضع حل الدولتين مجدداً على الطاولة.
أما أقصى ما استطاع الأوروبيون الخروج به في اجتماع تكتلهم في بروكسل الخميس والجمعة، فكان الدعوة إلى فتح “ممرات إنسانية” إلى غزة، من دون اتخاذ أي خطوة عملية على هذا الصعيد.
ومنذ اتفاقات أوسلو، لم يتمكن الاتحاد الأوروبي من التمايز عن الموقف الأميركي، رغم أن الاتحاد كان عضواً في اللجنة الرباعية إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة.
حصل هذا قبل اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وقبل أن تظهر الحاجة الأوروبية إلى استمرار الحماية الأميركية. لا يمكن مقارنة حجم المساعدات العسكرية والاقتصادية التي قدمتها واشنطن لكييف بتلك التي قدمها الاتحاد الأوروبي.
وفي الظرف الحالي، يحاذر الأوروبيون الإقدام على خطوة من شأنها إثارة غضب الولايات المتحدة والتسبب في تراجع حجم مساعداتها لأوكرانيا. وهذا من الاعتبارات الأساسية التي تجعل أوروبا تقف خلف أميركا في حرب غزة والتماهي مع مواقفها.
لا يريد الأوروبيون خلق أزمة مع واشنطن في وقت تبدو القارة العجوز في حاجة ماسة إلى الحماية الأميركية، وخصوصاً بعدما تبين أن كل الدعوات السابقة التي صدرت عن فرنسا وألمانيا، إلى “استقلالية” عسكرية عن الولايات المتحدة، غير قابلة للتحقق، وعاد الأوروبيون إلى سلوك طريق واقعية لهذه الناحية.
قبل انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين وتربع الولايات المتحدة زعيمة بلا منازع والقوة الأعظم في العالم، كان القادة الفرنسيون يظهرون تمايزاً على نحوٍ ما من القضية الفلسطينية، وكان الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران من أوائل القادة في العالم الذين أيدوا حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وذلك قبل عملية مدريد عام 1991 واعتراف أميركا بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.
لا تعاني أوروبا الافتقار إلى دور مستقل عن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فحسب، بل إن أزمات أخرى تتفجر في العالم يضمحل فيها الدور الأوروبي لمصلحة الولايات المتحدة. وأفريقيا التي كانت تحسب في الماضي حديقة خلفية للقارة الأوروبية، شاهد على ذلك.