بقلم: أمال شحادة – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- رغم المساعدات المالية التي وعدت بها الولايات المتحدة وقدمت بعضاً منها، فإن الأزمة المالية الخانقة التي ستعيشها إسرائيل بعد حرب غزة، ستكون أكبر من أي أزمة عاشتها الدولة العبرية، في أعقاب التكاليف الباهظة على جميع الصعد.
وخلافاً لأي حرب سابقة فيوم السابع من أكتوبر الجاري، وحده ألحق تكاليف باهظة حتى الساعة لم تتمكن إسرائيل من حصرها لعدم معرفة مصير العشرات من سكان بلدات الجنوب أو غلاف غزة إذا ما كانوا بين المخطوفين أو من الجثث التي لم ينجح الأطباء في تشخيصها.
منذ انتهاء الأسبوع الأول من حرب غزة، بدأت الجهات ذات الشأن سواء الوزارية أو المؤسسات الرسمية أو بنك إسرائيل، في إجراء حسابات أولية لهذه الأضرار وعند دخول الحرب أسبوعها الثالث كانت التقديرات تشير إلى أن الأضرار التي ألحقتها حرب غزة تتجاوز ضعف كلفة حرب لبنان الثانية في عام 2006، التي استمرت 35 يوماً وحرب أكتوبر عام 1973.
بحسب تقديرات البنك المركزي، فإن عجز الموازنة سيتجاوز ما قيمته 2.3 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي في العام الجاري و3.5 في المئة خلال العام المقبل (2024).
وفي أكثر من تصريح لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش فإن الحكومة تعمل منذ الآن لضمان ميزانية تكون قادرة على تغطية التكاليف الباهظة والآخذة في الارتفاع كلما احتدم القتال على الجبهتين الجنوبية والشمالية. وهنا تحدثت تقارير البنوك الإسرائيلية عن خسائر فادحة تكبدها الاقتصاد بسبب الحرب في مختلف المجالات.
وأمام الانتقادات والاحتجاجات التي تشهدها جميع القطاعات في إسرائيل التي تتهم الحكومة والوزارات بإهمالها وتدميرها اقتصادية، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إن الحكومة ستدفع كل ما هو ضروري للحرب والتعويضات الناتجة منها.
وأشار سموتريتش، إلى أن ميزانية 2023-2024 لم تعد كافية وسيتم مراجعتها وتعديلها، في وقت قدر بنك الاستثمار الإسرائيلي أن كلفة الحرب 17 مليار دولار، حتى نهاية الأسبوع الثاني.
من الصعب تقدير الخسائر
حتى اللحظة أعرب أكثر من مسؤول إسرائيلي عن عدم قدرة أي جهة على معرفة خسائر الجيش والمؤسسة العسكرية، لوحدها، إلى جانب الدمار الذي ألحقه عناصر حركة “حماس” في اليوم الأول من الحرب، ليس فقط بالممتلكات والبنى التحتية إنما بالمعدات والآليات العسكرية بدءاً من الجدار الذي تم تدمير وحتى البنى التحتية والبيوت والمؤسسات ومعسكرات الجيش المحاذية للحدود.
وتشكل تكاليف الجيش الإسرائيلي، الذي استدعى ما يقارب 400 ألف جندي احتياط للخدمة ونشرهم على الجبهتين الجنوبية والشمالية، بين مهام تعزيز أمن الحدود أو البلدات الخالية من سكانها، أو من ينتظرون أوامر الدخول إلى غزة أو لبنان، وهذا في حد ذاته يكلف خزانة الدولة عشرات مليارات الدولارات، وكان سبباً في تعميق الشرخ والخلاف داخل المؤسستين السياسية والعسكرية بعد أن طالبت الأخيرة بحسم النقاش حول العملية البرية، من حيث طبيعتها وتوقيتها.
أمام هذا الخلاف، أخذ قادة الوحدات العسكرية الإسرائيلية على عاتقهم تسريح آلاف الجنود الذي طال انتظارهم عند الحدود، “وبات هذا الانتظار يحبطهم وقد ينعكس بشكل سلبي إذا ما تقرر التوغل البري وفق الخطة التي وضعها الجيش في اليوم الأول من الحرب”، إلى جانب التكاليف الباهظة التي يدفعها الجيش لجنود الاحتياط الذين تركوا أماكن عملهم وسيغطي الجيش كلفة أيام العمل وفق راتب كل جندي في مكان عمله.
وتنفق إسرائيل خمسة في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وبحسب التقديرات فإنه نتيجة للحرب، ستكون هناك زيادة سنوية مطردة لا تقل عن 10 مليارات شيكل (2.5 مليار دولار) في الإنفاق الدفاعي.
هذا التقدير لا يشمل التغييرات التي ستطرأ حتى انتهاء القتال، وإذا ما ستزداد نيران الحرب في الشمال حدة، فالجبهة الداخلية، غير الجاهزة لحماية السكان ومواجهة حرب على جبهة واحدة، تجاه غزة في الجنوب، وسيكون هذا سبباً كبيراً لتكاليف الباهظة لهذه الحرب، فعدم توفير الملاجئ والأماكن الآمنة في جميع بلدات الشمال أو الجنوب، في الأقل المحاذية للحدود أدت إلى نقل نحو 150 ألف إسرائيلي من مناطق سكنهم.
وبسبب تعرض المركز وإيلات والبلدات التي كان يفترض أن تكون آمنة لنقل سكان الجنوب إليها، جرى نقل السكان إلى فنادق وبيوت نقاهة بتكاليف باهظة جداً، كما تشمل التكاليف نقل الطلاب يومياً إلى مدارس قريبة، وهذه الترتيبات، وكما أبلغ المسؤولون السكان، ستسمر حتى نهاية السنة، في الأقل.
أضرار لا تحصى
الدمار الذي خلفته “عملية حماس” في يومها الأول ببلدات الجنوب وغلاف غزة، أدى إلى ضرر كبير خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من المعارك، وعلى رغم خسائره الفادحة فإن جبهة الشمال تأتي في المكانة الثانية من حيث الخسائر بعد خسائر الجيش من جنود ومعدات عسكرية.
بحسب خطة صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية، جرى تخصيص 10 ملايين دولار لبلدات الشمال التي تبعد خمسة كيلومترات عن الحدود مع لبنان فيما خصصت الخطة 18 مليون دولار لجميع البلدات المتضررة في إسرائيل، وتقتصر الخطة على توفير الحاجات الأساسية والمعيشية للسكان الذي جرى إخلاؤهم في بيوتهم.
ولعل الخطة هذه التي أعدها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تشمل ثمانية بنود كل واحد منها يتطرق إلى جانب معين ألحقت به الحرب أضراراً بالغة، على أن تتم معالجة هذه الأضرار فوراً، على رغم التوقعات باستمرار الحرب لأشهر طويلة، ووضع الوزير البلدات المدرجة ضمن مناطق القتال على رأس المواقع التي ألحقت الحرب بها أضراراً بالغة.
كانت وزارة المالية الإسرائيلية بحثت، الأحد، من جديد بنود خطة سموتريتش بعد توجيه انتقادات لاذعة من جميع الجهات التي اعتبرت أنها لا تلبي أبسط الحاجات لجميع القطاعات في وضعية الحرب التي تشهدها إسرائيل، وفق مسؤول سياسي ويجرى البحث حالياً في كيفية زيادة ميزانية الخطة لتلبية الجوانب الضرورية والأساسية.
ــــــــــــــــــــــــ